2648 - النابغة الجعدي.
ذكرناه في باب النون لأنه غلب عليه النابغة، واختلف في اسمه، فقيل: قيس بن عبد الله [بن عمر ] وقيل: حبان ابن قيس [بن عبد الله] بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة وقيل: اسمه حبان بن قيس بن عبد الله ابن وحوح بن عدس بن ربيعة بن جعدة. وإنما قيل له النابغة فيما يقولون لأنه قال الشعر في الجاهلية ثم أقام مدة نحو ثلاثين سنة لا يقول الشعر، ثم نبغ فيه [بعد] فقاله، فسمي النابغة قالوا: وكان قديما شاعرا محسنا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام، وهو عندهم أسن من النابغة الذبياني وأكبر واستدلوا على أنه أكبر من النابغة الذبياني لأن النابغة الذبياني كان مع في عصره. وكان النعمان بن المنذر [بعد النعمان بن المنذر المنذر] بن محرق، وقد أدرك النابغة الجعدي [المنذر بن محرق] ، ونادمه، ولكن [ ص: 1515 ] النابغة الذبياني مات قبله. وعمر الجعدي بعده عمرا طويلا. ذكره عن أشياخه أنه عمر مائة وثمانين سنة، وأنه أنشد عمر بن شبة عمر بن الخطاب:
لقيت أناسا فأفنيتهم وأفنيت بعد أناس أناسا ثلاثة أهلين أفنيتهم
وكان الإله هو المستآسا
عمر مائتين وعشرين سنة، ومات النابغة الجعدي بأصبهان. وهذا أيضا لا يدفع، لأنه قال في الشعر السيني الذي أنشده أنه أفنى ثلاثة قرون كل قرن من القرون ستين سنة، فهذه مائة وثمانون سنة، ثم عمر إلى زمن عمر وإلى أن هاجى ابن الزبير أوس بن مغراء ثم ليلى الأخيلية، وكان يذكر في الجاهلية دين إبراهيم والحنيفية، ويصوم ويستغفر فيما ذكروا، وقال في الجاهلية كلمته التي أولها:
الحمد لله لا شريك له من لم يقلها فنفسه ظلما
إن هذا الشعر لأمية، ولكنه قد صححه يونس بن حبيب، وحماد الرواية، ومحمد بن سلام، وعلي بن سليمان الأخفش للنابغة الجعدي.
قال أبو عمر: وفد النابغة على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما. وأنشده، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول ما أنشده قوله في قصيدته الرائية:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
وإنا لقوم ما نعود خيلنا إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
وليس بمعروف لنا أن نردها صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
علونا على طر العباد تكرما وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال: نعم إن شاء الله تعالى. فلما أنشدته:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
قال: وعاش أجدت لا يفضض الله فاك. النابغة بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتت عليه. مائة واثنتا عشرة سنة، فقال في ذلك:
أتت مائة لعام ولدت فيه وعشر بعد ذلك واثنتان
وقد أبقت صروف الدهر مني كما أبقت من الذكر اليماني
ألا زعمت بنو سعد بأني وما كذبوا كبير السن فاني
خليلي غضا ساعة وتهجرا ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
وجاهدت حتى ما أحس ومن معي سهيلا إذا ما لاح ثم تحورا
أقيم على التقوى وأرضى بفعلها وكنت من النار المخوفة أحذرا
وقال : كان عمر بن شبة شاعرا مغلبا إلا أنه كان إذا هاجى غلب. هاجى النابغة الجعدي أوس بن مغراء، وليلى الأخيلية، وكعب بن جعيل، فغلبوه، وهو أشعر منهم مرارا، ليس فيهم من يقرب منه، وكذلك قال فيه وغيره. وذكر ابن سلام قال: رعت الهيثم بن عدي، بنو عامر بالبصرة في الزروع، فبعث في طلبهم، فتصارخوا يا أبو موسى الأشعري آل عامر! فخرج ومعه عصبة له، فأتي به النابغة الجعدي، أبو موسى، فقال له: ما أخرجك؟ قال: سمعت داعية قومي. قال: فضربه أسواطا. فقال النابغة في ذلك:
رأيت البكر بكر بني ثمود وأنت أراك بكر الأشعرينا
فإن تك لابن عفان أمينا فلم يبعث بك البر الأمينا
فيا قبر النبي وصاحبيه ألا يا غوثنا لو تسمعونا
ألا صلى إلهكم عليكم ولا صلى على الأمراء فينا
حكيت لنا الصديق لما وليتنا وعثمان والفاروق فارتاح معدم
وسويت بين الناس في الحق فاستووا فعاد صباحا حالك الليل مظلم
أتاك أبو ليلى تجوب به الدجى دجى الليل جواب الفلاة عرمرم
لتجبر منه جانبا دعدعت به صروف الليالي والزمان المصمم
ويح أبي ليلى! لقد بلغ منه الجهد. فقال النابغة: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما وليت قريش فعدلت، واسترحمت فرحمت، وحدثت فصدقت، ووعدت خيرا فأنجزت، فأنا والنبيون فراط القادمين ألا . . . وذكر كلمة معناها أنهم تحت النبيين بدرجة في الجنة. قال كتب الزبير: هذا الحديث عن أخي. وذكر يحيى بن معين أبو الفرج الأصبهاني هذا الحديث، فقال: حدثني به من حفظه عن محمد بن جرير الطبري بإسناده. ومما يستحسن ويستجاد أحمد بن زهير للنابغة الجعدي:
فتى كملت خيراته غير أنه جواد فلا يبقي من المال باقيا
فتى تم فيه ما يسر صديقه على أن فيه ما يسوء الأعاديا
تذكرت والذكرى تهيج للفتى ومن حاجة المحزون أن يتذكرا
نداماي عند المنذر بن محرق أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا
تقضى زمان الوصل بيني وبينها ولم ينقض الشوق الذي كان أكثرا
وإني لأستشفي برؤية جارها إذا ما لقائيها علي تعذرا
وألقي على جيرانها مسحة الهوى وإن لم يكونوا لي قبيلا ومعشرا
ترديت ثوب الذل يوم لقيتها وكان ردائي نخوة وتجبرا
حسبنا زمانا كل بيضاء شحمة ليالي إذ نغزو جذاما وحميرا
إلى أن لقينا الحي بكر بن وائل ثمانين ألفا دارعين وحسرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا
بنفسي وأهلي عصبة سلمية يعدون للهيجا عناجيج ضمرا
وقالوا لنا أحيوا لنا من قتلتم لقد جئتم إدا من الأمر منكرا
ولسنا نرد الروح في جسم ميت وكنا نسيل الروح ممن تنشرا
نميت ولا نحيي كذلك صنعنا إذا البطل الحامي إلى الموت أهجرا
[ ص: 1521 ] ملكنا فلم نكشف قنا لحرة ولم نستلب إلا الحديد المسمرا
ولو أننا شئنا سوى ذاك أصبحت كرائمهم فينا تباع وتشترى
ولكن أحسابا نمتنا إلى العلا وآباء صدق أن يروم المحقرا
وإنا لقوم ما نعود خيلنا إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
وليس بمعروف لنا أن نردها صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
قال قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الشعراء المحسنين ممن لم يذكره أبو عمر: في الشعراء الرواة أحمد بن زهير الحارث - بن هشام، وعمرو ابن شاس، وضرار بن الأزور، وخفاف بن ندبة، وكل هؤلاء شاعر له صحبة [ ص: 1522 ] ورواية، ولم يذكر أحمد بن زهير لبيد بن ربيعة، ولا ضرار بن الخطاب، ولا ابن الزبعرى، لأنهم ليست لهم رواية، وكذلك أبو ذؤيب الهذلي، والشماخ بن ضرار، وأخوه مزرد بن ضرار.
قال محمد بن سلام: النابغة الجعدي، والشماخ بن ضرار، ولبيد بن ربيعة، وأبو ذؤيب الهذلي طبقة. قال: وكان الشماخ أشد متونا من لبيد، ولبيد أحسن منه منطقا.