الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              250 - ثابت بن قيس بن شماس [بن ظهير] بن مالك بن امرئ القيس ابن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، وأمه امرأة من طي .

                                                              يكنى أبا محمد بابنه محمد . وقيل : يكنى أبا عبد الرحمن .

                                                              وقتل بنوه محمد ويحيى وعبد الله بنو ثابت بن قيس بن شماس يوم الحرة ، وكان ثابت بن قيس خطيب الأنصار ،  ويقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقال لحسان شاعر النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                              شهد أحدا وما بعدها من المشاهد . وقتل يوم اليمامة شهيدا رحمه الله في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .

                                                              قال أنس بن مالك : لما انكشف الناس يوم اليمامة قلت لثابت بن قيس ابن شماس : ألا ترى يا عم ، ووجدته قد حسر عن فخذيه وهو يتحنط ، فقال : ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بئس ما عودتم أقرانكم . وبئس ما عودتم أنفسكم ، اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء ، ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه ، ورآه بعض الصحابة في النوم فأوصاه أن [ ص: 201 ] تؤخذ درعه ممن كانت عنده وتباع ويفرق ثمنها في المساكين . فقص ذلك الرجل الرؤيا على أبي بكر رضي الله عنه ، فبعث في الرجل فاعترف بالدرع ، فأمر بها فبيعت وأنفذت وصيته من بعد موته ، ولا نعلم أحدا أنفذت له وصيته بعد موته سواه .

                                                              وكان يقال : إنه كان به مس من الجن .

                                                              أنبأنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ . قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج ، قال حدثنا سعيد بن عفير وعبد العزيز بن يحيى المدني ، قالا : حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت [بن قيس ] الأنصاري عن ثابت بن قيس بن شماس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : يا ثابت ، أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة - في حديث ذكره . زاد عبد العزيز في حديثه :

                                                              قال مالك : فقتل ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيدا .

                                                              وروى هشام بن عمار عن صدقة بن خالد قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثني عطاء الخراساني قال حدثتني ابنة ثابت بن قيس ابن شماس قالت : لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي . الآية دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه ، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل إليه يسأله ما خبره؟ فقال : أنا رجل شديد الصوت ، [ ص: 202 ] أخاف أن يكون قد هبط عملي . قال : لست منهم ، بل تعيش بخير وتموت بخير . قال : ثم أنزل الله عز وجل : إن الله لا يحب كل مختال فخور فأغلق عليه بابه وطفق يبكي ، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأخبره وقال : يا رسول الله ، إني أحب الجمال وأحب أن أسود قومي . فقال : لست منهم ، بل تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة . قالت : فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة ، فلما التقوا انكشفوا ، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة ، فثبتا وقاتلا حتى قتلا ، وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة ، فمر به رجل من المسلمين فأخذها ، فبينا رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له : إني أوصيك بوصية ، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه ، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ، ومنزله في أقصى الناس ، وعند خبائه فرس يستن في طوله ، وقد كفأ على الدرع برمة ، وفوق البرمة رحل ، فإيت خالدا فمره أن يبعث إلي درعي فيأخذها ، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه - [ ص: 203 ] فقل له : إن علي من الدين كذا وكذا ، وفلان من رقيقي عتيق فلان .

                                                              فأتى الرجل خالدا فأخبره ، فبعث إلى الدرع ، فأتى بها ، وحدث أبا بكر رضي الله عنه برؤياه ، فأجاز وصيته بعد موته . قال : ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس رضي الله عنه .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية