الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2875 - أبو بصير.

                                                              اختلف في اسمه ونسبه، فقيل: عبيد بن أسيد بن جارية.

                                                              وذكر خليفة، عن أبي معشر، قال: اسمه عتبة بن أسيد بن جارية بن أسيد ابن عبد الله بن سلمة بن عبد الله بن غيرة بن عوف بن قسي، وهو ثقيف بن منبه ابن بكر بن هوازن، حليف لبني زهرة. وقال ابن إسحاق: أبو بصير عتبة ابن أسيد بن جارية. قال ابن شهاب: هو رجل من قريش وقال ابن هشام:

                                                              هو ثقفي. وأظن أن ابن شهاب نسبه إلى حلفه في بني زهرة، وله قصة في المغازي عجيبة ذكرها ابن إسحاق وغيره، وقد رواها معمر عن ابن شهاب، ذكر عبد الرازق، عن معمر ، عن ابن شهاب في قصة القضية عام الحديبية، قال [ ص: 1613 ] .

                                                              ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير - رجل من قريش - وهو مسلم، فأرسلت قريش في طلبه رجلين، فقالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: العهد الذي جعلت لنا أن ترد إلينا كل من جاءك مسلما.

                                                              فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين، فخرجا حتى بلغا به ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا جيدا يا فلان، فاستله الآخر، وقال: أجل والله، إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت. فقال له أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه به حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد يعدو، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم - حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا. فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال:

                                                              يا رسول الله، قد والله وفت ذمتك، وقد رددتني إليهم، فأنجاني الله منهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب. لو كان معه أحد. فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر. قال: وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير، وجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم، إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة. قال: فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلا اعترضوا لهم، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم إلا أرسل إليهم، فمن أتاك منهم فهو آمن.

                                                              وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظ وأكمل سياقة، قال: وكان أبو بصير يصلي لأصحابه، وكان يكثر من قول الله العلي الأكبر، من ينصر الله فسوف ينصره. فلما قدم عليهم أبو جندل كان هو يؤمهم، [ ص: 1614 ] واجتمع إلى أبي جندل حين سمع بقدومه ناس من بني غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب، حتى بلغوا ثلاثمائة وهم مسلمون، فأقاموا مع أبي جندل وأبي بصير لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها.

                                                              وذكر مرور أبي العاص بن الربيع بهم وقصته، قال: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهما من المسلمين أن يلحقوا ببلادهم وأهليهم، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي جندل، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وصلى عليه، وبنى على قبره مسجدا.  

                                                              وذكر ابن إسحاق هذا الخبر بهذا المعنى، وبعضهم يزيد فيه على بعض، والمعنى متقارب إن شاء الله تعالى.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية