الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              3005 - أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي.

                                                              هو والد معاوية، ويزيد، وعتبة، وإخوتهم. ولد قبل الفيل بعشر سنين، وكان من أشراف قريش في الجاهلية، وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها من أرض العجم، وكان يخرج أحيانا بنفسه، فكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب، وكان لا يحبسها إلا رئيس، فإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعت تلك الراية بيد الرئيس. ويقال: كان أفضل قريش في الجاهلية رأيا ثلاثة: عتبة، وأبو جهل، وأبو سفيان، فلما أتى [ ص: 1678 ] الله بالإسلام أدبروا في الرأي. وكان أبو سفيان صديق العباس ونديمه في الجاهلية.

                                                              أسلم أبو سفيان يوم الفتح، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، وأعطاه من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية وزنها له بلال، وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية.

                                                              واختلف في حين إسلامه، فطائفة ترى أنه لما أسلم حسن إسلامه، وذكروا عن سعيد بن المسيب، عن أبيه - قال: رأيت أبا سفيان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد يقاتل ويقول: يا نصر الله اقترب. وروي أن أبا سفيان ابن حرب كان يقف على الكراديس يوم اليرموك فيقول للناس: الله الله، فإنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار المشركين، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك. وطائفة ترى أنه كان كهفا للمنافقين منذ أسلم، وكان في الجاهلية ينسب إلى الزندقة. وفي حديث ابن عباس عن أبيه أنه لما أتى به العباس - وقد أردفه خلفه يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله أن يؤمنه. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: ويحك يا أبا سفيان ! أما آن لك - أن تعلم أن لا إله إلا الله. فقال:

                                                              بأبي أنت وأمى، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إلها غيره لقد أغنى عني شيئا. فقال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله! فقال: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! أما هذه ففي النفس منها شيء. فقال له العباس: ويلك! اشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك. فشهد وأسلم، ثم سأل له العباس رسول الله صلى الله [ ص: 1679 ] عليه وسلم أن يؤمن من دخل داره، وقال: إنه رجل يحب الفخر والذكر، فأسعفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه على نفسه فهو آمن. وفي خبر ابن الزبير أنه رآه يوم اليرموك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر، فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان:


                                                              وبنو الأصفر الملوك ملوك الروم لم يبق منهم مذكور

                                                              فحدث به ابن الزبير أباه لما فتح الله على المسلمين، فقال الزبير: قاتله الله يأبى إلا نفاقا، أو لسنا خيرا له من بني الأصفر وذكر ابن المبارك، عن مالك ابن مغول، عن ابن أبجر، قال. لما بويع لأبي بكر الصديق جاء أبو سفيان إلى علي فقال: أغلبكم على هذا الأمر أقل بيت في قريش ! أما والله لأملأنها خيلا ورجالا إن شئت. فقال علي: ما زلت عدوا للإسلام وأهله، فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا، إنا رأينا أبا بكر لها أهلا. وهذا الخبر مما رواه عبد الرزاق عن ابن المبارك . وروي عن الحسن أن أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه، فقال: قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار. فصاح به عثمان ، قم عني، فعل الله بك وفعل. وله أخبار من نحو هذا ردية ذكرها أهل الأخبار لم أذكرها. وفي بعضها ما يدل على أنه لم يكن إسلامه سالما، ولكن حديث سعيد ابن المسيب يدل على صحة إسلامه والله أعلم.

                                                              حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، [ ص: 1680 ] قال: حدثنا أبي عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: فقدت الأصوات يوم اليرموك إلا رجل واحد يقول: يا نصر الله اقترب، والمسلمون يقتتلون هم والروم، فذهبت أنظر، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.

                                                              وكانت له كنية أخرى: أبو حنظلة بابنه حنظلة المقتول يوم بدر كافرا.

                                                              وشهد أبو سفيان حنينا مسلما وفقئت عينه يوم الطائف، فلم يزل أعور حتى فقئت عينه الأخرى يوم اليرموك أصابها حجر فشدخها فعمي ومات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان وقيل: سنة اثنتين وثلاثين.

                                                              وقيل سنة إحدى وثلاثين. وقيل سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه ابنه معاوية.

                                                              وقيل: بل صلى عليه عثمان بموضع الجنائز، ودفن بالبقيع، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل: ابن بضع وتسعين سنة، وكان ربعة دحداحا ذا هامة عظيمة.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية