الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              3149 - أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري .

                                                              قال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب : اسمه بشير بن عبد المنذر ، وكذلك قال ابن هشام وخليفة .

                                                              وقال أحمد بن زهير : سمعت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان : أبو لبابة اسمه رفاعة بن عبد المنذر . وقال ابن إسحاق : اسمه رفاعة بن المنذر بن زبير ابن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك ابن الأوس ، كان نقيبا ، شهد العقبة [وشهد ] بدرا . قال ابن إسحاق : وزعم قوم أن أبا لبابة بن عبد المنذر والحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فرجعهما ، وأمر أبا لبابة على المدينة ، وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر . قال ابن هشام : ردهما من الروحاء .

                                                              قال أبو عمر : قد استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة على المدينة أيضا حين خرج إلى غزوة السويق ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وما بعدها من المشاهد ، وكانت معه راية بني عمرو بن عوف في غزوة الفتح .

                                                              مات أبو لبابة في خلافة علي رضي الله عنهما . روى ابن وهب ، عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر - أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض - والربوض الثقيلة - بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه ، فما يكاد يسمع ، وكاد أن يذهب بصره ، وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة ، أو أراد أن يذهب لحاجة ، وإذا [ ص: 1741 ] فرغ أعادته إلى الرباط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو جاءني لاستغفرت له . قال أبو عمر : اختلف في الحال التي أوجبت فعل أبي لبابة هذا بنفسه .

                                                              وأحسن ما قيل في ذلك ما رواه معمر عن الزهري ، قال : كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فربط نفسه بسارية ، وقال : والله لا أحل نفسي منها ، ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى يتوب الله علي أو أموت .  

                                                              فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ، ثم تاب الله عليه ، فقيل له : قد تاب الله عليك يا أبا لبابة ، فقال : والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني . قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله ، قال : يجزئك يا أبا لبابة الثلث .
                                                              وروى عن ابن عباس من وجوه في قول الله تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا . الآية . أنها نزلت في أبي لبابة ونفر معه سبعة أو ثمانية أو تسعة سواه ، تخلفوا عن غزوة تبوك ثم ندموا وتابوا وربطوا أنفسهم بالسواري ، فكان عملهم الصالح توبتهم و [عملهم ] السيئ تخلفهم عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                              قال أبو عمر : قد قيل : إن الذنب الذي أتاه أبو لبابة كان إشارته إلى حلفائه من بني قريظة أنه الذبح إن نزلتم على حكم سعد بن معاذ ،  وأشار إلى [ ص: 1742 ] حلقه ، فنزلت [فيه ] : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ثم تاب الله عليه فقال : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأنخلع من مالي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجزئك من ذلك الثلث .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية