الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              3162 - أبو محذورة المؤذن القرشي الجمحي .

                                                              اختلف في اسمه ، فقيل : سمرة ابن معير . وقيل [اسمه ] معير بن محيريز . وقيل أوس بن معير بن لوذان بن ربيعة بن عريج بن سعد بن جمح . هكذا نسبه خليفة . وقال أبو اليقظان :

                                                              قتل أوس بن معير يوم بدر كافرا ، واسم أبي محذورة سلمان ، ويقال سمرة ابن معير ، [ويقال سلمان بن معير ] ، وقد ضبطه بعضهم معين ، والأكثر يقولون معير . وقال الطبري وغيره : كان لأبي محذورة أخ لأبيه وأمه يسمى أنيسا ، وقتل يوم بدر كافرا ، وقال محمد بن سعد : سمعت من ينسب أبا محذورة فيقول : اسمه سمرة بن معير بن لوذان بن وهب بن سعد بن جمح ، وكان له أخ لأبيه وأمه اسمه أويس . وقال ابن معين : اسم أبي محذورة سمرة بن معير ، وكذلك قال البخاري . وقال الزبير : أبو محذورة اسمه [ ص: 1752 ] أوس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح . قال الزبير : عريج وربيعة ولوذان إخوة بنو سعد بن جمح . ومن قال غير هذا فقد أخطأ . قال :

                                                              وأخوه أنيس بن معير قتل كافرا وأمهما من خزاعة ، وقد انقرض عقبهما ، وورث الأذان بمكة إخوتهم من بني سلامان بن ربيعة بن جمح .

                                                              قال أبو عمر : اتفق الزبير وعمه مصعب ومحمد بن إسحاق المسيبي على أن اسم أبي محذورة أوس ، وهؤلاء أعلم بطريق أنساب قريش . ومن قال في اسم أبي محذورة سلمة فقد أخطأ . وكان أبو محذورة مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ،  أمره بالأذان بها منصرفه من حنين ، وكان سمعه يحكي الأذان ، فأمر أن يؤتى به ، فأسلم يومئذ ، وأمره بالأذان فأذن بين يديه ، ثم أمره فانصرف إلى مكة ، وأقره على الأذان بها فلم يزل [يؤذن ] بها هو وولده ، ثم عبد الله بن محيريز ابن عمه وولده ، فلما انقطع ولد ابن محيريز صار الأذان بها إلى ولد ربيعة بن سعد بن جمح .

                                                              وأبو محذورة وابن محيريز من ولد لوذان بن سعد بن جمح . قال الزبير :

                                                              كان أبو محذورة أحسن الناس أذانا وأنداهم صوتا . قال له عمر يوما - وسمعه يؤذن : كدت أن ينشق مريطاؤك . قال : وأنشدني عمي مصعب لبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة :


                                                              أما ورب الكعبة المستورة وما تلا محمد من سوره     والنغمات من أبي محذورة
                                                              لأفعلن فعلة مذكوره

                                                              قال الطبري : توفي أبو محذورة بمكة سنة تسع وخمسين . وقيل سنة تسع وسبعين ، ولم يهاجر ، ولم يزل مقيما بمكة حتى توفي أخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال [ ص: 1753 ] .

                                                              حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عثمان بن السائب ، عن أم عبد الملك بن أبي محذورة ، عن أبي محذورة . وبهذا الإسناد أيضا عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره عن أبي محذورة - دخل حديث بعضهما في بعض - أن أبا محذورة قال : خرجت في نفر عشرة ، فكنا في بعض الطريق حين قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة [عنده ] ، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون ، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت ، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه ، فقال : أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم كلهم إلي - وصدقوا - فأرسلهم وحبسني ، ثم قال : قم فأذن بالصلاة ، فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به ، فقمت بين يديه ، فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه ، فقال : قل الله أكبر . الله أكبر . . . فذكر الأذان ، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، ثم وضع يده على ناصيتي ، ثم من بين ثديي ، ثم على كبدي ، حتى بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرتي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله فيك ، وبارك الله عليك . فقلت : يا رسول الله ، مرني بالتأذين بمكة . قال : قد أمرتك به . وذهب كل شيء كان في نفسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهة ، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدمت على عتاب بن [ ص: 1754 ] أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . وذكر تمام الخبر .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية