وهو الشريد بن رباح ابن ثعلبة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم . قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم ، فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستنشدها فيعجبه شعرها ، وكانت تنشده ، وهو يقول : هيه يا خناس ، أو يومئ بيده . قالوا : وكانت الخنساء في أول أمرها تقول البيتين والثلاثة ، حتى قتل أخوها لأبيها وأمها قتله معاوية بن عمرو ، هاشم وزيد المريان ، وصخر أخوها لأبيها ، وكان أحبهما إليها ، لأنه كان حليما جوادا محبوبا في العشيرة ، وكان غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي ، فمرض منها قريبا من حول ثم مات ، فلما قتل أخواها أكثرت من الشعر ، وأجادت ، فمن قولها في صخر أخيها :
أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندى ألا تبكيان الجريء الجميل
ألا تبكيان الفتى السيدا طويل العماد عظيم الرماد
ساد عشيرته أمردا
أشم أبلج يأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
ذكر عن الزبير بن بكار ، عن محمد بن الحسن المخزومي ، عبد الرحمن [ ص: 1828 ] ابن عبد الله ، عن أبيه ، عن عن أبيه ، قال : أبي وجزة ، الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال ، فقالت لهم من أول الليل : يا بني ، إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد ، كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ، ولا هجنت حسبكم ، ولا غبرت نسبكم ، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين .
واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية ، يقول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون . فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، واضطرمت لظى على سياقها ، وجللت نارا على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة . فخرج بنوها قابلين لنصحها ، عازمين على قولها فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم وأنشأ أولهم يقول : حضرت
يا إخوتي إن العجوز الناصحة قد نصحتنا إذ دعتنا البارحه
مقالة ذات بيان واضحة [فباكروا الحرب الضروس الكالحه ]
وإنما تلقون عند الصائحة من آل ساسان الكلاب النابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة وأنتم بين حياة صالحه
إن العجوز ذات حزم وجلد [والنظر الأوفق والرأي السدد ]
وقد أمرتنا بالسداد والرشد نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب حماة في العدد [إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم عز الأبد في جنة الفردوس والعيش الرغد ]
والله لا نعصي العجوز حرفا [قد أمرتنا حدبا وعطفا ]
نصحا وبرا صادقا ولطفا فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفا [أو تكشفوهم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير منكم ضعفا والقتل فيكم نجدة وزلفى ]
لست لخنساء ولا للأخرم ولا لعمر وذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم ماض على الهول خضم خضرم
[إما لفوز عاجل ومغنم أو لوفاة في السبيل الأكرم ]
فبلغها الخبر فقالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته .وكان رضي الله عنه يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائتي درهم حتى قبض رضي الله عنه [ ص: 1830 ] . عمر بن الخطاب