الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              3343 - رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمها خديجة بنت خويلد ، وقد تقدم ذكرها ، زعم الزبير وعمه مصعب أنها كانت أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإياه صحح الجرجاني النسابة . وقال غيرهم : أكبر بناته زينب ثم رقية .

                                                              قال أبو عمر : لا أعلم خلافا أن زينب أكبر بناته صلى الله عليه وسلم .

                                                              واختلف فيمن بعدها منهن ، ذكر أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، قال :

                                                              سمعت عبد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر بن سليمان الهاشمي ، قال : ولدت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثلاثين سنة ، وولدت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثلاث وثلاثين سنة .  

                                                              وقال مصعب وغيره من أهل النسب : كانت رقية تحت عتبة بن أبي لهب ، وكانت أختها أم كلثوم تحت عتبة بن أبي لهب ، فلما نزلت : تبت يدا أبي لهب [ ص: 1840 ] قال لهما أبوهما أبو لهب وأمهما حمالة الحطب : فارقا ابنتي محمد .

                                                              وقال أبو لهب : رأسي من رأسيكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد . ففارقاهما .

                                                              قال ابن شهاب : فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة ، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة ، وولدت له هناك ابنا ، فسماه عبد الله ، فكان يكنى به .

                                                              وقال مصعب : كان عثمان يكنى في الجاهلية أبا عبد الله ، فلما كان الإسلام وولد له من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام سماه عبد الله ، واكتنى به ، فبلغ الغلام ست سنين ، فنقر عينه ديك فتورم وجهه ومرض ومات .

                                                              وقال غيره : توفي عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة ، وهو ابن ست سنين ، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل في حفرته أبوه عثمان رضي الله عنهما .

                                                              وقال قتادة : تزوج عثمان رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتوفيت عنده ولم تلد منه . وهذا غلط من قتادة ولم يقله غيره . وأظنه أراد أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن عثمان تزوجها بعد رقية فتوفيت عنده ، ولم تلد منه . هذا قول ابن شهاب وجمهور أهل هذا الشأن ، ولم يختلفوا أن عثمان إنما تزوج أم كلثوم بعد رقية ، وهذا يشهد لصحة قول من قال : إن رقية أكبر من أم كلثوم .

                                                              وفي الحديث الصحيح ، عن سعيد بن المسيب ، قال : تأيم عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتأيمت حفصة من زوجها ، فمر عمر بعثمان [ ص: 1841 ] فقال له : هل لك في حفصة . وكان عثمان قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ، فلم يجبه ، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هل لك في خير من ذلك؟ أتزوج أنا حفصة وأزوج عثمان خيرا منها أم كلثوم! هذا معنى الحديث ، وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد ، وهو أوضح شيء فيهما قصدناه والحمد لله .

                                                              وأما وفاة رقية فالصحيح في ذلك أن عثمان تخلف عليها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مريضة في [حين ] خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، وتوفيت يوم وقعة بدر ، ودفنت يوم جاء زيد بن حارثة بشيرا بما فتح الله عليهم ببدر وقد روى حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال :

                                                              لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

                                                              لا يدخل القبر رجل قارف أهله ، فلم يدخل عثمان .
                                                               
                                                              وهذا الحديث خطأ من حماد بن سلمة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشهد دفن رقية ابنته ، ولا كان ذلك القول منه في رقية ، وإنما كان ذلك القول منه في أم كلثوم . ذكر البخاري ، قال : حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح بن عثمان ، حدثنا هلال بن علي ، عن أنس بن مالك ، قال : شهدنا دفن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل منكم من أحد لم يقارف [الليلة ] ؟ فقال أبو طلحة :

                                                              أنا . فقال : انزل في قبرها ، فنزل في قبرها
                                                               
                                                              وهذا هو الصحيح من حديث [ ص: 1842 ] أنس ، لا قول من ذكر فيه رقية . ولفظ حديث حماد بن سلمة أيضا في ذلك منكر مع ما فيه من الوهم في ذكر رقية .

                                                              وروى ابن المبارك ، وابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : تخلف عثمان عن بدر على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قد أصابتها الحصبة فماتت . وجاء يزيد بن حارثة بشيرا بوقعة بدر وعثمان على قبر رقية .

                                                              وذكر محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا الحسن بن حماد ، حدثنا عبيدة ، عن هشام ابن عروة ، عن أبيه ، قال : تخلف عثمان وأسامة بن زيد عن بدر ، وكان تخلف عثمان على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينا هم يدفنونها سمع عثمان تكبيرا ، فقال : يا أسامة ، ما هذا التكبير؟ فنظروا فإذا زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء بشيرا بقتل أهل بدر من المشركين .

                                                              قال أبو عمر : لا خلاف بين أهل السير أن عثمان بن عفان إنما تخلف عن بدر على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وأنه ضرب له بسهمه وأجره . وكانت بدر في رمضان من السنة الثانية من الهجرة .

                                                              وقد روى موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، قال : توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قدوم أهل بدر المدينة . فلم يقم موسى المعنى ، وجاء فيه بالمقاربة . وليس موسى بن عقبة في ابن شهاب حجة إذا خالفه غيره . والصحيح ما رواه يونس عن ابن شهاب على ما قدمناه وبالله توفيقنا .

                                                              في نسخة ابن شافع الحافظ في الأصل عند آخر ترجمة رقية رضي الله عنها [ ص: 1843 ] [هذه ] حديث دفن البنات من المكرمات وليس هذا موضعه لو صح ، لكن قد كتبه فكتبته .

                                                              قال أبو علي : حدثنا أبو عمر النمري ، حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا الحسن ابن رشيق ، حدثنا أبو بشر الدولابي ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عوف الطائي ، ويزيد بن عبد الصمد أبو القاسم الدمشقي ، قالا : حدثنا عبد الله بن ذكوان ، حدثنا عراك بن خالد بن زيد بن صفيح المزي ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما عزي رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته [رقية ] قال : الحمد لله ، دفن البنات من المكرمات .  

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية