الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              4215 - أم معبد الخزاعية .

                                                              اسمها عاتكة بنت خالد أخت حبيش بن خالدة قد تقدم ذكرها في باب العين من أسماء النساء ، وسلف ذكر خبرها في باب حبيش من أسماء الرجال من هذا الكتاب ، وأذكرها هنا : حدثنا أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان ، إملاء منه علي ، قال : حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ .

                                                              قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عيسى بن حكم بن أيوب بن سليمان بن ثابت ابن يسار الخزاعي الربعي الكعبي بقديد على باب حانوته قراءة لنا ظاهرا ، قال :

                                                              حدثني أبو هشام محمد بن سليمان بن الحكم ، عن حزام بن هشام ، عن أبيه ، عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة إلى المدينة مهاجرا هو وأبو بكر ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ، ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط ، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية ، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ، ثم تسقى وتطعم ، [ ص: 1959 ] فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وكان القوم مرملين مسنتين ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم . قال :

                                                              هل بها من لبن! قالت : هي أجهد من ذلك . قال : أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت : نعم ، بأبي أنت وأمي! إن رأيت بها حلبا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها ، وسمى الله ، ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ، ودرت واجترت ، ودعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ، ثم سقاها حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى رووا ، وشرب آخرهم ، ثم أراضوا ثم حلب ثانيا فيها بعد ذلك حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، وبايعها ، وارتحلوا عنها ، فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا مخهن قليل ، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب ، وقال :

                                                              من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب حيال ولا حلوب في البيت؟ قالت : لا والله ، إلا أنه مر بنا رجل مبارك ،  من حاله كذا وكذا . قال :

                                                              صفيه لي يا أم معبد . قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ، ولم تزر به صعلة وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره عطف ، وفي عنقه سطح ، وفي صوته صحل ، وفي لحيته كثاثة ، أزج [ ص: 1960 ] أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق ، فصل ، لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة ، لا بائن من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظرا ، أحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفند .

                                                              قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ، ولقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا ، فأصبح صوت بمكة عال يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه ، وهو يقول :


                                                              جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد     هما نزلاها بالهدى فاهتدت به
                                                              فقد فاز من أمسى رفيق محمد     فيا لقصي ما زوى الله عنكم
                                                              ظبه من فعال لا تجازى وسؤدد     ليهن بني كعب مقام فتاتهم
                                                              ومقعدها للمؤمنين بمرصد     سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
                                                              فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد     دعاها بشاة حائل فتحلبت
                                                              عليه صريحا ضرة الشاة مزيد     فغادرها رهنا لديها لحالب
                                                              يرددها في مصدر ثم مورد

                                                              فلما سمع ذلك حسان بن ثابت جعل يجاوب الهاتف ، وهو يقول [ ص: 1961 ] .


                                                              لقد خاب قوم غاب عنهم نبيهم     وقدس من يسري إليه ويغتدي
                                                              ترحل عن قوم فضلت عقولهم     وحل على قوم بنور مجدد
                                                              هداهم به بعد الضلالة ربهم     وأرشدهم ، من يتبع الحق يرشد
                                                              وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا     عما يتهم هاد به كل مهتد
                                                              لقد نزلت منه على أهل يثرب     ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
                                                              نبي يرى ما لا يرى الناس حوله     ويتلو كتاب الله في كل مشهد
                                                              وإن قال في يوم مقالة غائب     فتصديقها في اليوم أوفى ضحى الغد
                                                              ليهن أبا بكر سعادة جده     بصحبته من يسعد به الله يسعد
                                                              ليهن بني كعب مقام فتاتهم     ومقعدها للمؤمنين بمرصد

                                                              وحدثنا أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا مكرم بن محرز ، عن أبيه محرز بن مهدي بن عبد الرحمن بن عمرو بن خويلد بن خالد بن منقذ ابن ربيعة ، وأم معبد الخزاعية هي بنت خالد أخت خويلد ، واسمها عاتكة ، عن حزام بن هشام ، عن أبيه حبيش صاحب النبي صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي مروا على خيمة أم معبد الخزاعية ، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم . . . وذكر الحديث إلى آخره سواء بمعنى واحد [ ص: 1962 ] .

                                                              قال أبو عمر : وقد قيدت في طرة الصفحتين ما بين الروايتين من خلاف .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية