الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              باب أسامة

                                                              21 - أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى الكلبي ، قد رفعنا في نسبه عند ذكر أبيه زيد بن حارثة ، وذكرنا ما لحق أباه زيدا من السباء ، وأنه صار بعد مولى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وله ولاؤه صلى الله عليه وسلم ، وأوضحنا ذلك في باب أبيه زيد بن حارثة ، يكنى أسامة أبا زيد . وقيل أبا محمد ، يقال له الحب ابن الحب .

                                                              وقال ابن إسحاق : زيد بن حارثة بن شرحبيل ، وخالفه الناس ، فقالوا : شراحيل وأم أسامة أم أيمن واسمها بركة مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاضنته .

                                                              اختلف في سنه يوم مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقيل : ابن عشرين سنة . وقيل : ابن تسع عشرة . وقيل : ابن ثماني عشرة ، سكن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وادي القرى ، ثم عاد إلى المدينة ، فمات بالجرف في آخر خلافة معاوية . ذكر محمد بن سعد قال حدثنا يزيد بن هارون ، قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة بن زيد ينتظره ، فجاء غلام [ ص: 76 ] أسود أفطس ، فقال أهل اليمن : إنما حبسنا من أجل هذا؟ قال : فلذلك كفر أهل اليمن من أجل هذا . قال يزيد بن هارون : يعني ردتهم أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه . ولما فرض عمر بن الخطاب للناس فرض لأسامة بن زيد خمسة آلاف ، ولابن عمر ألفين ، فقال ابن عمر : فضلت علي أسامة ، وقد شهدت ما لم يشهد؟ فقال : إن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منك ، وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أبيك .

                                                              حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا أحمد بن زهير ، قال حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أحب الناس إلي أسامة ما خلا فاطمة ولا غيرها . وبه عن حماد بن سلمة ، قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن أسامة بن زيد لأحب الناس إلي ، أو من أحب الناس إلي ، وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيرا .  وروى محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان عن عبيد الله ، قال : رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعي مروان بن الحكم إلى جنازة ليصلي عليها فصلى عليها ثم رجع ، وأسامة يصلي عند باب بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له مروان : إنما أردت أن يرى مكانك ، فقد رأينا مكانك ، فعل الله بك وفعل ، قولا قبيحا ، ثم أدبر . فانصرف أسامة [ ص: 77 ] وقال : يا مروان ، إنك آذيتني ، وإنك فاحش متفحش ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن الله يبغض الفاحش المتفحش . أخبرنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، حدثنا أحمد بن محمد بن البشيري . حدثنا علي بن خشرم قال قلت لوكيع : من سلم من الفتنة؟ قال : أما المعروفون من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأربعة : سعد بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة ، وأسامة بن زيد ، واختلط سائرهم . قال : ولم يشهد أمرهم من التابعين أربعة : الربيع بن خثيم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود بن يزيد ، وأبو عبد الرحمن السلمي .

                                                              قال أبو عمر : أما أبو عبد الرحمن السلمي فالصحيح عنه أنه كان مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وأما مسروق فذكر عنه إبراهيم النخعي أنه ما مات حتى تاب إلى الله تعالى من تخلفه عن علي كرم الله وجهه ، وصح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من وجوه أنه قال : ما آسى على شيء كما آسى أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي رضي الله عنه .

                                                              وتوفي أسامة بن زيد بن حارثة في خلافة معاوية سنة ثمان أو تسع وخمسين . وقيل : بل توفي سنة أربع وخمسين ، وهو عندي أصح إن شاء الله تعالى .

                                                              وروى عنه أبو عثمان النهدي ، وعروة بن الزبير ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وجماعة [ ص: 78 ] .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية