الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              487 - حجر بن عدي بن الأدبر الكندي، يكنى أبا عبد الرحمن، كوفي، وهو حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن الأدبر، وإنما سمي الأدبر، لأنه ضرب بالسيف على أليته [موليا] فسمي بها الأدبر.

                                                              كان حجر من فضلاء الصحابة، وصغر سنه عن كبارهم، وكان على كندة يوم صفين وكان على الميسرة يوم النهروان، ولما ولى معاوية زيادا العراق وما وراءها، وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر خلعه حجر ولم يخلع معاوية، وتابعه جماعة من أصحاب علي وشيعته، وحصبه يوما في تأخير الصلاة هو وأصحابه، فكتب فيه زياد إلى معاوية فأمره أن يبعث به إليه، فبعث إليه مع وائل بن حجر الحضرمي في اثني عشر رجلا، كلهم في الحديد، فقتل معاوية منهم ستة، واستحيا ستة، وكان حجر ممن قتل، فبلغ ما صنع بهم زياد إلى عائشة أم المؤمنين، فبعثت إلى معاوية عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: الله الله في حجر وأصحابه! فوجده عبد الرحمن قد قتل هو وخمسة من أصحابه، فقال لمعاوية : أين عزب عنك حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه؟ ألا حبستهم في السجون وعرضتهم للطاعون؟ قال: حين غاب عني مثلك من قومي .

                                                              [ ص: 330 ]

                                                              قال: والله لا تعدلك العرب حلما بعدها أبدا، ولا رأيا. قتلت قوما بعث بهم إليك أسارى من المسلمين. قال: فما أصنع؟ كتب إلي فيهم زياد يشدد أمرهم، ويذكر أنهم سيفتقون علي فتقا لا يرقع.

                                                              ثم قدم معاوية المدينة، فدخل على عائشة، فكان أول ما بدأته به قتل حجر في كلام طويل جرى بينهما، ثم قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا.

                                                              والموضع الذي قتل فيه حجر بن عدي ومن قتل معه من أصحابه يعرف بمرج عذراء .

                                                              حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن عون، عن نافع، قال: كان ابن عمر في السوق فنعي إليه حجر، فأطلق حبوته وقام وقد غلب عليه النحيب.

                                                              حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: حدثنا سعيد بن عامر، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين: أن معاوية لما أتي بحجر بن الأدبر قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. قال: أو أمير المؤمنين أنا؟ اضربوا عنقه. قال: فلما قدم للقتل قال: دعوني أصلي ركعتين. فصلاهما خفيفتين، [ ص: 331 ] ثم قال: لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما، والله لئن كانت صلاتي لم تنفعني فيما مضى ما هما بنافعتي، ثم قال لمن حضر من أهله: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، فإني ملاق معاوية على الجادة.

                                                              حدثنا خلف، حدثنا عبد الله ، حدثنا أحمد، حدثنا يحيى بن سليمان، حدثنا ابن المبارك، قال حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين. أنه كان إذا سئل عن الركعتين عند القتل قال: صلاهما خبيب وحجر، وهما فاضلان.

                                                              قال أحمد: وحدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب الواسطي وأثنى عليه خيرا، قال: حدثنا عثمان بن الهيثم، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، قال: سمعت الحسن يقول - وقد ذكر معاوية وقتله حجرا وأصحابه: ويل لمن قتل حجرا وأصحاب حجر، قال أحمد: قلت ليحيى بن سليمان: أبلغك أن حجرا كان مستجاب الدعوة؟ قال: نعم، وكان من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                              وروينا عن أبي سعيد المقبري قال: لما حج معاوية جاء إلى المدينة زائرا، فاستأذن على عائشة رضي الله عنها، فأذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية، أمنت أن أخبئ لك من يقتلك بأخي محمد بن أبي بكر؟ فقال: بيت الأمان دخلت. قالت: يا معاوية، أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟ قال: إنما قتلهم من شهد عليهم.

                                                              [ ص: 332 ]

                                                              وعن مسروق بن الأجدع، قال: سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: أما والله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجرا وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام، ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس، أما والله إن كانوا لجمجمة العرب عزا ومنعة وفقها، ولله در لبيد حيث:


                                                              ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب     لا ينفعون ولا يرجى خيرهم
                                                              ويعاب قائلهم وإن لم يشغب



                                                              ولما بلغ الربيع بن زياد الحارثي من بني الحارث بن كعب، وكان فاضلا جليلا، وكان عاملا لمعاوية على خراسان، وكان الحسن بن أبي الحسن كاتبه، فلما بلغه قتل معاوية حجر بن عدي دعا الله عز وجل، فقال: اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل، فلم يبرح من مجلسه حتى مات.

                                                              وكان قتل معاوية لحجر بن عدي بن الأدبر سنة إحدى وخمسين.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية