باب الأفراد في الحاء
555 - الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي [حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن بنته رضي الله عنها، وابن ابن عمه فاطمة يكنى علي بن أبي طالب] ولدته أمه أبا محمد، صلى [ ص: 384 ] الله عليه وسلم في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، هذا أصح ما قيل في ذلك إن شاء الله، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه، وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة. حدثنا فاطمة بنت رسول الله قال: حدثنا خلف بن قاسم، ابن الورد، قال حدثنا: يوسف بن زياد، حدثنا وحدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، خلف بن الوليد أبو الوليد، قالا: حدثنا عن إسرائيل أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، رضي الله عنه، قال: علي الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا. قال: بل هو حسن.
فلما ولد الحسين قال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته لما ولد حربا. قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: حربا قال: بل هو محسن. زاد أسد، ثم قال: إني سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر وشبير ومشبر. وبهذا الإسناد عن رضي الله عنه قال: علي الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. والحسين كان عن
وتواترت الآثار الصحاح لحسن بن علي : إن ابني هذا سيد، وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. قال رواه جماعة من الصحابة. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
[ ص: 385 ]
وفي حديث في ذلك: أبي بكرة ولا أسود ممن سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدا، وكان رضي الله عنه حليما ورعا فاضلا، دعاه ورعه وفضله إلى أن ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله، وقال: والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعني وما يضرني أن إلي أمر أمة وإنه ريحانتي من الدنيا. محمد صلى الله عليه وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة دم. وكان من المبادرين إلى نصرة والذابين عنه، ولما قتل أبوه عثمان رضي الله عنه بايعه أكثر من أربعين ألفا، كلهم قد كانوا بايعوا أباه علي قبل موته على الموت، وكانوا أطوع عليا للحسن وأحب فيه منهم في أبيه، فبقي نحوا من أربعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان، ثم سار إلى وسار معاوية، إليه، فلما تراءى الجمعان، وذلك بموضع يقال له مسكن من أرض السواد بناحية معاوية الأنبار علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتى تذهب أكثر الأخرى، فكتب إلى يخبره أنه يصير الأمر إليه على أن يشترط عليه ألا يطلب أحدا من أهل معاوية المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه، فأجابه وكاد يطير فرحا، إلا أنه قال: أما عشرة أنفس فلا أؤمنهم. معاوية،
فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول: إني قد آليت أني متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده، فراجعه الحسن إني لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت. فبعث إليه حينئذ برق أبيض وقال: اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه. معاوية
فاصطلحا على ذلك، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كله فقال له معاوية إنهم قد انفل حدهم، [ ص: 386 ] وانكسرت شوكتهم، فقال له عمرو بن العاص: أما علمت أنه قد بايع معاوية: أربعون ألفا على الموت، فوالله لا يقتلون حتى يقتل أعدادهم من أهل عليا الشام، ووالله ما في العيش خير بعد ذلك. واصطلحا على ما ذكرنا، وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثنا إن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا هارون بن معروف، ضمرة، عن قال: لما قتل ابن شوذب، سار علي الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق ، وسار في أهل معاوية الشام، فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع على أن يجعل العهد معاوية للحسن من بعده، قال: فكان أصحاب الحسن يقولون له يا عار المؤمنين. فيقول: العار خير من النار. حدثنا قال: حدثنا خلف بن قاسم، عبد الله بن عمر بن إسحاق بن معمر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين، قال: حدثني عمرو بن خالد مرارا، قال: حدثني قال: حدثني زهير بن معاوية الجعفي، أبو روق الهمداني أن أبا الغريف حدثهم قال: كنا في مقدمة الحسن بن علي اثني عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الجد والحرص على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمر طه ، فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت [ ص: 387 ] ظهورنا من الغيظ والحزن، فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عامر سفيان بن ليلى ، فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل يا فإني لم أذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك. وحدثنا أبا عامر، خلف، حدثنا عبد الله، حدثنا أحمد، حدثنا يحيى بن سليمان، حدثني حدثني الحسن بن زياد، أبو معشر، عن قال: مكث شرحبيل بن سعد الحسن بن علي نحوا من ثمانية أشهر لا يسلم الأمر إلى وحج بالناس تلك السنة سنة أربعين معاوية، من غير أن يؤمره أحد، وكان المغيرة بن شعبة بالطائف. قال: وسلم الأمر الحسن إلى في النصف من جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين، فبايع الناس معاوية حينئذ، معاوية ومعاوية يومئذ ابن ست وستين إلا شهرين.
قال رضي الله عنه: هذا أصح ما قيل في تاريخ عام الجماعة، وعليه أكثر أهل هذه الصناعة من أهل السير والعلم بالخبر، وكل من قال: إن الجماعة كانت سنة أربعين فقد وهم، ولم يقل بعلم، والله أعلم. أبو عمر
ولم يختلفوا أن المغيرة حج عام أربعين على ما ذكر أبو معشر، ولو كان الاجتماع على قبل ذلك لم يكن كذلك، والله أعلم. معاوية
ولا خلاف بين العلماء أن الحسن إنما سلم الخلافة حياته لا غير، ثم تكون له من بعده، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك، ورأى لمعاوية الحسن ذلك خيرا من إراقة الدماء في طلبها، وإن كان عند نفسه أحق بها.
حدثنا خلف، حدثنا عبد الله، حدثنا أحمد، قال: حدثنا أحمد بن صالح، ويحيى بن سليمان، وحرملة بن يحيى، ويونس بن عبد الأعلى، قالوا: حدثنا [ ص: 388 ] قال: أخبرني ابن وهب، عن يونس بن يزيد، قال: لما دخل ابن شهاب، معاوية الكوفة حين سلم الأمر إليه الحسن بن علي كلم عمرو بن العاص أن يأمر معاوية الحسن بن علي فيخطب الناس، فكره ذلك وقال: لا حاجة بنا إلى ذلك قال معاوية، عمرو: ولكني أريد ذلك ليبدو عيه ، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي؟ ولم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن أن يخطب، وقال له: قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا.
فقام الحسن فتشهد، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال في بديهته: أما بعد: أيها الناس، فإن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول، وإن الله عز وجل يقول : وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين فلما قالها قال له اجلس، فجلس ثم قام معاوية: فخطب الناس، ثم قال معاوية لعمرو: هذا من رأيك.
وأخبرنا خلف، حدثنا عبد الله، حدثنا أحمد، قال: حدثني يحيى بن سليمان، قال: حدثني عبد الله الأجلح، أنه سمع يذكر عن المجالد بن سعيد قال: لما جرى الصلح بين الشعبي، الحسن بن علي ومعاوية قال له قم فاخطب الناس، واذكر ما كنت فيه. معاوية:
فقام الحسن فخطب فقال: الحمد لله الذي هدى بنا أولكم . وحقن بنا دماء آخركم، ألا إن أكيس الكيس التقى، وأعجز العجز الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون كان أحق به [ ص: 389 ] مني، وإما أن يكون حقي فتركته لله، ولإصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحقن دمائهم، قال: ثم التفت إلى فقال ، معاوية وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم نزل. فقال عمرو لمعاوية: ما أردت إلا هذا.
ومات الحسن بن علي رضي الله عنهما بالمدينة واختلف في وقت وفاته، فقيل: مات سنة تسع وأربعين. وقيل: بل مات في ربيع الأول من سنة خمسين بعد ما مضى من إمارة عشر سنين. وقيل: بل مات سنة إحدى وخمسين، ودفن معاوية ببقيع الغرقد وصلى عليه وكان أميرا سعيد بن العاص، بالمدينة قدمه الحسين للصلاة على أخيه، وقال. لولا أنها سنة ما قدمتك.
وقد كانت أباحت له أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها، وكان سألها ذلك في مرضه، فلما مات منع من ذلك عائشة مروان وبنو أمية في خبر يطول ذكره.
وقال قتادة وأبو بكر بن حفص: سم الحسن بن علي، سمته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي.
وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس إليها وما بذل لها في ذلك، وكان لها ضرائر، والله أعلم. معاوية
ذكر أبو زيد عمر بن شبة قالا: حدثنا وأبو بكر بن أبي خيثمة قال حدثنا موسى [ ص: 390 ] بن إسماعيل، عن أبو هلال، ، قال: دخل قتادة الحسين على الحسن، فقال: يا أخي إني سقيت السم ثلاث مرار، لم أسق مثل هذه المرة إني لأضع كبدي. فقال الحسين: من سقاك يا أخي؟ قال: ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم، أكلهم إلى الله. فلما مات ورد البريد بموته على فقال: يا عجبا من معاوية، الحسن، شرب شربة من عسل بماء رومةـ فقضى نحبه.
وأتى ابن عباس فقال له: يا معاوية. احتسب ابن عباس، الحسن، لا يحزنك الله ولا يسوءك. فقال: أما ما أبقاك الله لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني الله ولا يسوءني. قال: فأعطاه على كلمته ألف ألف وعروضا وأشياء، وقال: خذها واقسمها على أهلك.
حدثني حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، عبد الله بن روح، حدثنا قال: حدثنا عثمان بن عمر بن فارس، ابن عون، عن قال: كنا عند عمير بن إسحاق، الحسن بن علي، فدخل المخرج ثم خرج، فقال: لقد سقيت السم مرارا وما سقيته مثل هذه المرة، لقد لفظت طائفة من كبدي، فرأيتني أقلبها بعود معي فقال له الحسين: يا أخي، من سقاك؟ قال: وما تريد إليه؟ أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان الذي أظن فالله أشد نقمة، ولئن كان غيره ما أحب أن تقتل بي بريئا. وذكر عن معمر الزهري، قال: أنس، لم يكن فيهم أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن. عن
وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو جحيفة: الحسين يشبهه .
[ ص: 391 ]
قال رضي الله عنه: حفظ أبو عمر الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث ورواها عنه، منها حديث الدعاء في القنوت، ومنها: محمد لا تحل لنا الصدقة. إنا آل وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال في الحسن إنهما سيدا شباب أهل الجنة. وقال: والحسين: قيل: كانت سنه يوم مات ستا وأربعين سنة، وقيل سبعا وأربعين. اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما.
وكان قد أشار بالبيعة إلى معاوية يزيد في حياة الحسن، وعرض بها، ولكنه لم يكشفها، ولا عزم عليها إلا بعد موت الحسن.
وروينا من وجوه أن الحسن بن علي لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه: يا أخي، إن أبانا رحمه الله تعالى لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا الأمر، ورجا أن يكون صاحبه، فصرفه الله عنه، ووليها فلما حضرت أبو بكر، الوفاة تشوف لها أيضا، فصرفت عنه إلى أبا بكر فلما احتضر عمر. جعلها شورى بين ستة هو أحدهم، فلم يشك أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عمر فلما هلك عثمان، بويع، ثم نوزع حتى جرد السيف، وطلبها، فما صفا له شيء منها، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا - أهل البيت - النبوة والخلافة، فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل عثمان الكوفة فأخرجوك، وقد كنت طلبت إلى إذا مت أن تأذن لي فأدفن في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: نعم. وإني لا أدري لعلها كان ذلك منها حياء، فإذا أنا مت فاطلب ذلك إليها، فإن طابت نفسها فادفني في بيتها، [ ص: 392 ] وما أظن القوم إلا سيمنعونك إذا أردت ذلك، فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك، وادفني في عائشة بقيع الغرقد، فإن فيمن فيه أسوة.
فلما مات الحسن أتى الحسين فطلب ذلك إليها، فقالت: نعم وكرامة. فبلغ ذلك عائشة، مروان، فقال مروان: كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أبدا، منعوا من دفنه في المقبرة، ويريدون دفن عثمان الحسن في بيت ! فبلغ ذلك عائشة الحسين، فدخل هو ومن معه في السلاح، فبلغ ذلك مروان فاستلأم في الحديد أيضا، فبلغ ذلك فقال: والله ما هو إلا ظلم، يمنع أبا هريرة الحسن أن يدفن مع أبيه، والله إنه لابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق إلى الحسين فكلمه وناشده الله، وقال له: أليس قد قال أخوك: إن خفت أن يكون قتال فردوني إلى مقبرة المسلمين، فلم يزل به حتى فعل، وحمله إلى البقيع، فلم يشهده يومئذ من بني أمية إلا وكان يومئذ أميرا على سعيد بن العاصي، المدينة، فقدمه الحسين للصلاة عليه وقال: هي السنة.
وخالد بن الوليد بن عقبة ناشد بني أمية أن يخلوه يشاهد الجنازة، فتركوه، فشهد دفنه في المقبرة، ودفن إلى جنب أمه رضي الله عنها وعن بنيها أجمعين. فاطمة