الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق  

                                                                                                                                                                                                                                      أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثم شبههم بالراعي. ولم يقل: كالغنم. والمعنى -والله أعلم- مثل الذين كفروا (كمثل البهائم) التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها: ارعي أو اشربي، لم تدر ما يقول لها. فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن وإنذار الرسول. فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى -والله أعلم- في المرعى. وهو ظاهر في كلام العرب أن يقولوا: فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى: كخوفه الأسد؛ لأن الأسد هو المعروف بأنه المخوف. وقال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل



                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي. وقال الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      كانت فريضة ما تقول كما     كان الزناء فريضة الرجم



                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزناء. فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحتها لاتضاح المعنى عند العرب. وأنشدني بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      إن سراجا لكريم مفخره     تحلى به العين إذا ما تجهره



                                                                                                                                                                                                                                      والعين لا تحلى به، إنما يحلى هو بها. [ ص: 100 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وفيها معنى آخر: تضيف المثل إلى (الذين كفروا) ، وإضافته في المعنى إلى الوعظ كقولك: مثل وعظ الذين كفروا وواعظهم كمثل الناعق كما تقول: إذا لقيت فلانا فسلم عليه تسليم الأمير، وإنما تريد به: كما تسلم على الأمير. وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      فلست مسلما ما دمت حيا     على زيد بتسليم الأمير



                                                                                                                                                                                                                                      وكل صواب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية