وقوله: إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير
نصب لوقوع حرم عليها؛ وذلك أن قولك إنما على وجهين: أحدهما أن تجعل "إنما" حرفا واحدا، ثم تعمل الأفعال التي تكون بعدها [في] الأسماء، فإن كانت رافعة رفعت، وإن كانت ناصبة نصبت فقلت: إنما دخلت دارك، وإنما أعجبتني دارك، وإنما مالي مالك. فهذا حرف واحد. [ ص: 101 ] .
وأما الوجه الآخر فأن تجعل "ما" منفصلة من (إن) فيكون "ما" على معنى الذي، فإذا كانت كذلك وصلتها بما يوصل به الذي، ثم يرفع الاسم الذي يأتي بعد الصلة كقولك: إن ما أخذت مالك، إن ما ركبت دابتك. تريد: إن الذي ركبت دابتك، وإن الذي أخذت مالك؛ فأجرهما على هذا.
وهو في التنزيل في غير ما موضع، من ذلك قوله تبارك وتعالى: أنما إلهكم إله واحد ، إنما أنت نذير فهذه حرف واحد، هي وإن؛ لأن "الذي" لا تحسن في موضع "ما" .
وأما التي في مذهب (الذي) فقوله: إنما صنعوا كيد ساحر معناه: إن الذي صنعوا كيد ساحر. ولو قرأ قارئ "إنما صنعوا كيد ساحر" نصبا كان صوابا إذا جعل إن وما حرفا واحدا. وقوله إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم قد نصب المودة قوم، ورفعها آخرون على الوجهين اللذين فسرت لك. وفي قراءة "إنما مودة بينكم في الحياة الدنيا" فهذه حجة لمن رفع المودة؛ لأنها مستأنفة لم يوقع الاتخاذ عليها، فهو بمنزلة قولك: إن الذي صنعتموه ليس بنافع، مودة بينكم ثم تنقطع بعد. فإن شئت رفعت المودة بـ "بين" وإن شئت أضمرت لها اسما قبلها يرفعها كقوله عبد الله سورة أنزلناها وكقوله لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك . [ ص: 102 ] .
فإذا رأيت "إنما" في آخرها اسم من الناس وأشباههم مما يقع عليه "من" فلا تجعلن "ما" فيه على جهة (الذي) ؛ لأن العرب لا تكاد تجعل "ما" للناس. من ذلك: إنما ضربت أخاك، ولا تقل: أخوك؛ لأن "ما" لا تكون للناس.
فإذا كان الاسم بعد "إنما" وصلتها من غير الناس جاز فيه لك الوجهان فقلت: إنما سكنت دارك. وإن شئت: دارك.
وقد تجعل العرب "ما" في بعض الكلام للناس، وليس بالكثير. وفي قراءة "والنهار إذا تجلى، والذكر والأنثى" وفي قراءتنا عبد الله وما خلق الذكر والأنثى فمن جعل (ما خلق) للذكر والأنثى جاز أن يخفض "الذكر والأنثى" كأنه قال: والذي خلق: الذكر والأنثى. ومن نصب "الذكر" جعل "ما" و"خلق" كقوله: وخلقه الذكر والأنثى، يوقع خلق عليه. والخفض فيه على قراءة حسن، والنصب أكثر. عبد الله
ولو رفعت إنما حرم عليكم الميتة كان وجها. وقد قرأ بعضهم: "إنما حرم عليكم الميتة" ولا يجوز هاهنا إلا رفع الميتة والدم؛ لأنك إن جعلت "إنما" حرفا واحدا رفعت الميتة والدم؛ لأنه فعل لم يسم فاعله، وإن جعلت "ما" على جهة (الذي) رفعت الميتة والدم؛ لأنه خبر لـ(ما) .