ومن سورة النور
قوله: سورة أنزلناها ترفع السورة بإضمار هذه سورة أنزلناها ولا ترفعها براجع ذكرها لأن النكرات لا يبتدأ بها قبل أخبارها، إلا أن يكون ذلك جوابا ألا ترى أنك لا تقول: رجل [ ص: 244 ] قام، إنما الكلام أن تقول: قام رجل. وقبح تقديم النكرة قبل خبرها أنها توصل ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة. فيقال: رجل يقوم أعجب إلي من رجل لا يقوم: فقبح إذ كنت كالمنتظر للخبر بعد الصلة. أو حسن في الجواب لأن القائل يقول: من في الدار؟ فتقول: رجل (وإن قلت (رجل فيها) فلا بأس لأنه كالمرفوع بالرد لا بالصفة.
ولو نصبت السورة على قولك: أنزلناها سورة وفرضناها كما تقول: مجردا ضربته كان وجها. وما رأيت أحدا قرأ به.
ومن قال (فرضناها) يقول: أنزلنا فيها فرائض مختلفة. وإن شاء: فرضناها عليكم وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة. والتشديد لهذين الوجهين حسن.
وقوله: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما رفعتهما بما عاد من ذكرهما في قوله كل واحد منهما ولا ينصب مثل هذا لأن تأويله الجزاء (ومعناه) - والله أعلم- من زنى فافعلوا به ذلك. ومثله والشعراء يتبعهم الغاوون معناه- والله أعلم: من قال الشعر اتبعه الغواة. وكذلك والسارق والسارقة واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ولو أضمرت قبل كل ما ذكرنا فعلا كالأمر جاز نصبه، فقلت: الزانية والزاني فاجلدوا:
[ ص: 245 ] وهي في قراءة محذوفة الياء (الزان) مثل ما جرى في كتاب الله كثيرا من حذف الياء من الداع والمناد والمهتد وما أشبه ذلك. وقد فسر. عبد الله
وقوله: ولا تأخذكم اجتمعت القراء على التاء إلا فإنه قرأ (ولا يأخذكم) بالياء. وهو صواب كما قال أبا عبد الرحمن وأخذ الذين ظلموا الصيحة وفي الرأفة والكأبة والسأمة لغتان السأمة فعلة والسآمة مثل فعالة والرأفة والرآفة والكأبة والكآبة وكان السأمة والرأفة مرة، والسآمة المصدر، كما تقول: قد ضؤل ضآلة، وقبح قباحة.
حدثنا قال حدثنا أبو العباس محمد قال حدثنا قال حدثني الفراء قيس ومندل عن ليث عن قال: الطائفة: الواحد فما فوقه قال مجاهد وكذلك حدثني الفراء: حبان عن عن الكلبي عن أبي صالح أنه واحد فما فوقه. وذلك للبكرين لا للمحصنين ومعنى الرأفة يقول: لا ترأفوا بالزانية والزاني فتعطلوا حدود الله. ابن عباس
وقوله: الزاني لا ينكح يقال: الزاني لا يزني إلا بزانية من بغايا كن بالمدينة، فهم أصحاب الصفة أن يتزوجوهن فيأووا إليهن ويصيبوا من طعامهن، فذكروا ذلك للنبي عليه السلام فأنزل الله عز وجل هذا، فأمسكوا عن تزويجهن لما نزل وحرم ذلك على المؤمنين يعني الزاني.
وقوله: والذين يرمون المحصنات وبالكسر) بالزنى ثم لم يأتوا الحكام بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا توبته فيما [ ص: 246 ] بينه وبين ربه، وشهادته ملقاة. وقد كان بعضهم يرى شهادته جائزة إذا تاب ويقول: يقبل الله توبته ولا نقبل نحن شهادته! القاذف لا تقبل له شهادة،