وقوله: إني لا يخاف لدي المرسلون
ثم استثنى فقال: إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فهذا مغفور له فيقول القائل. كيف صير خائفا؟ قلت: في هذه وجهان: أحدهما أن تقول:
إن مغفور لها آمنة يوم القيامة. ومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا فهو يخاف ويرجو: الرسل معصومة
فهذا وجه. والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة لأن المعنى: لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم.
ثم استثنى فقال: إلا من ظلم فإن هذا لا يخاف يقول: كان مشركا فتاب وعمل حسنا فذلك مغفور له ليس بخائف.
وقد قال بعض النحويين: إن (إلا) في اللغة بمنزلة الواو، وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا. وجعلوا مثله قول الله: لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا أي ولا الذين ظلموا. ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا، لأني لا أجيز قام الناس إلا وهو قائم إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء قبل إلا. وقد أراه جائزا أن تقول: عليك ألف سوى ألف آخر، فإن وضعت (إلا) في هذا الموضع صلحت وكانت (إلا) في تأويل ما قالوا. فأما مجردة قد استثني قليلها من كثيرها فلا. ولكن مثله مما يكون في معنى إلا كمعنى الواو وليست بها [ ص: 288 ] . عبد الله،
قوله: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك هو في المعنى:
إلا الذي شاء ربك من الزيادة. فلا تجعل إلا (في منزلة) الواو ولكن بمنزلة سوى. فإذا كانت سوى في موضع إلا صلحت بمعنى الواو لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا أي وهذا عندي كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا. وهو في سوى أنفذ منه في إلا لأنك قد تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: إلا هذا.