الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لله الأمر من قبل ومن بعد  

                                                                                                                                                                                                                                      القراءة بالرفع بغير تنوين لأنهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة. فلما أدتا عن معنى ما أضيفتا إليه وسموهما بالرفع وهما مخفوضتان ليكون الرفع دليلا على ما سقط مما أضفتهما إليه. وكذلك ما أشبههما، كقول الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                      إن تأت من تحت أجئها من عل [ ص: 320 ] ومثله قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن لقاؤك إلا من وراء وراء



                                                                                                                                                                                                                                      ترفع إذا جعلته غاية ولم تذكر بعده الذي أضفته إليه فإن نويت أن تظهره أو أظهرته قلت: لله الأمر من قبل ومن بعد: كأنك أظهرت المخفوض الذي أسندت إليه (قبل) و (بعد) .

                                                                                                                                                                                                                                      وسمع الكسائي بعض بني أسد يقرؤها (لله الأمر من قبل ومن بعد) يخفض (قبل) ويرفع بعد) على ما نوى وأنشدني (هو يعني) الكسائي:


                                                                                                                                                                                                                                      أكابدها حتى أعرس بعد ما     يكون سحيرا أو بعيد فأهجعا



                                                                                                                                                                                                                                      أراد بعيد السحر فأضمره. ولو لم يرد ضمير الإضافة لرفع فقال: بعيد. ومثله قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      لعمرك ما أدري وإني لأوجل     على أينا تعدو المنية أول



                                                                                                                                                                                                                                      رفعت (أول) لأنه غاية ألا ترى أنها مسندة إلى شيء هي أوله كما تعرف أن (قبل) لا يكون إلا قبل شيء، وأن (بعد) كذلك. ولو أطلقتهما بالعربية فنونت وفيهما معنى الإضافة فخفضت في الخفض ونونت في النصب والرفع لكان صوابا، قد سمع ذلك من العرب، وجاء في أشعارها، فقال بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      وساغ لي الشراب وكنت قبلا     أكاد أغص بالماء الحميم



                                                                                                                                                                                                                                      فنون وكذلك تقول: جئتك من قبل فرأيتك. وكذلك قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 321 ]

                                                                                                                                                                                                                                      مكر مفر مقبل مدبر معا     كجلمود صخر حطه السيل من عل



                                                                                                                                                                                                                                      فهذا مخفوض. وإن شئت نونت وإن شئت لم تنون على نيتك. وقال الآخر فرفع:


                                                                                                                                                                                                                                      كأن محطا في يدي حارثية     صناع علت مني به الجلد من عل



                                                                                                                                                                                                                                      المحط: منقاش تشم به يدها.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      هتكت به بيوت بني طريف     على ما كان قبل من عتاب



                                                                                                                                                                                                                                      فنون ورفع فإن ذلك لضرورة الشعر، كما يضطر إليه الشاعر فينون في النداء المفرد فيقول:

                                                                                                                                                                                                                                      يا زيد أقبل قال:


                                                                                                                                                                                                                                      قدموا إذ قيل قيس قدموا     وارفعوا المجد بأطراف الأسل



                                                                                                                                                                                                                                      وأنشدني بعض بني عقيل:


                                                                                                                                                                                                                                      ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة     فما شربوا بعد على لذة خمرا



                                                                                                                                                                                                                                      ولو رده إلى النصب إذ نون كان وجها كما قال:


                                                                                                                                                                                                                                      وساغ لي الشراب وكنت قبلا     أكاد أغص بالماء الحميم



                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك النداء لو رد إلى النصب إذا نون فيه كان وجها كما قال:


                                                                                                                                                                                                                                      فطر خالدا إن كنت تستطيع طيرة     ولا تقعن إلا وقلبك حاذر



                                                                                                                                                                                                                                      ولا تنكرن أن تضيف قبل وبعد وأشباههما وإن لم يظهر فقد قال:


                                                                                                                                                                                                                                      إلا بداهة أو علالة     سابح نهد الجزاره

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 322 ] وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      يا من يرى عارضا أكفكفه     بين ذراعي وجبهة الأسد



                                                                                                                                                                                                                                      وسمعت أبا ثروان العكلي يقول: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله. وإنما يجوز هذا في الشيئين يصطحبان مثل اليد والرجل، ومثل قوله: عندي نصف أو ربع درهم، وجئتك قبل أو بعد العصر. ولا يجوز في الشيئين يتباعدان مثل الدار والغلام: فلا تجيزن: اشتريت دار أو غلام زيد ولكن عبد أو أمة زيد، وعين أو أذن، ويد أو رجل، وما أشبهه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية