وقوله: يا حسرتا يا ويلتا مضاف إلى المتكلم يحول العرب الياء إلى الألف في كل كلام كان معناه الاستغاثة، يخرج على لفظ الدعاء. وربما قيل: يا حسرت كما قالوا: يا لهف على فلان، ويا لهفا عليه قال: أنشدني أبو ثروان العكلي.
تزورونها أو لا أزور نساءكم ألهف لأولاد الإماء الحواطب
فخفض كما يخفض المنادى إذا أضافه المتكلم إلى نفسه [ ص: 422 ] .
وربما أدخلت العرب الهاء بعد الألف التي في (حسرتى) فيخفضونها مرة، ويرفعونها. قال:
أنشدني أبو فقعس، بعض بني أسد :
يا رب يا رباه إياك أسل عفراء يا رباه من قبل الأجل
فخفض، قال: وأنشدني أبو فقعس:
يا مرحباه بحمار ناهيه إذا أتى قربته للسانية
والخفض أكثر في كلام العرب، إلا في قولهم: يا هناه ويا هنتاه، فالرفع في هذا أكثر من الخفض لأنه كثر في الكلام فكأنه حرف واحد مدعو.
وقوله: لو أن لي كرة فأكون من المحسنين النصب في قوله (فأكون) جواب للو.
وإن شئت جعلته مردودا على تأويل أن، تضمرها في الكرة، كما تقول: لو أن لي أن أكر فأكون. ومثله مما نصب على ضمير أن قوله: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل المعنى- والله أعلم- ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يرسل. ولو رفع (فيوحي) إذا لم يظهر أن قبله ولا معه كان صوابا. وقد قرأ به بعض القراء.
قال: وأنشدني بعض بني أسد:
[ ص: 423 ]
يحل أحيده ويقال بعل ومثل تمول منه افتقار
فما يخطئك لا يخطئك منه طبانية فيحظل أو يغار
فرفع. وأنشدني آخر:
فما لك منها غير ذكرى وحسبة وتسأل عن ركبانها أين يمموا
وقال سمعت من العرب: ما هي إلا ضربة من الأسد فيحطم ظهره، (و) يحطم ظهره. قال: وأنشدني الأسدي: الكسائي:
على أحوذيين استقلت عشية فما هي إلا لمحة فتغيب
وقوله: بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها القراء مجتمعون على نصب الكاف وأن المخاطب ذكر. قال وحدثني شيخ عن الفراء بسنده أنه قرأ وقاء بن إياس بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت (فخفض الكاف والتاء كأنه يخاطب النفس. وهو وجه حسن لأنه ذكر النفس فخاطبها أولا، فأجرى الكلام الثاني على النفس في خطابها.
وقوله: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ترفع (وجوههم) و (مسودة) لأن الفعل قد وقع على (الذين) ثم جاء بعد (الذين) اسم له فعل فرفعته بفعله، وكان فيه معنى نصب. وكذلك فالفعل بكل اسم أوقعت عليه الظن والرأي وما أشبههما فارفع ما يأتي بعده من الأسماء إذا كان معها أفاعيلها بعدها كقولك: رأيت أمره مستقيم. فإن قدمت [ ص: 424 ] الاستقامة" عبد الله
نصبتها، ورفعت الاسم، فقلت: رأيت مستقيما أمره، ولو نصبت الثلاثة في المسألة الأولى على التكرير كان جائزا، فتقول: رأيت عبد الله أمره مستقيما. وقال عبد الله عدي بن زيد.
ذريني إن أمرك لن يطاعا وما ألفيتني حلمي مضاعا
فنصب الحلم والمضاع على التكرير. ومثله:
ما للجمال مشيها وئيدا
فخفض الجمال والمشي على التكرير. ولو قرأ قارئ (وجوههم مسودة) على هذا لكان صوابا.