وفي قراءة "إلا أن تخافوا" فقرأها عبد الله على هذا المعنى "إلا أن يخافا" ولا يعجبني ذلك. وقرأها بعض أهل حمزة المدينة كما قرأها ، وهي في قراءة حمزة [ ص: 146 ] "إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله" والخوف والظن متقاربان في كلام العرب. من ذلك أن الرجل يقول: قد خرج عبدك بغير إذنك، فتقول أنت: قد ظننت ذاك، وخفت ذاك، والمعنى واحد. وقال الشاعر: أبي
أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام أنك عائبي
وقال الآخر:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها
[ولا تدفنني في الفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها]
والخوف في هذا الموضع كالظن؛ لذلك رفع "أذوقها" كما رفعوا "وحسبوا ألا تكون فتنة"، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم كما تقول: ظن ليذهبن. (أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن)
وأما ما قال فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة حمزة فلم يصبه -والله أعلم-؛ لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها؛ إذ قال: ألا يخافوا أن لا عبد الله قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن، ألا ترى أن اسمهما في الخوف مرفوع بما لم يسم فاعله. فلو أراد ألا يخافا على هذا، أو يخافا بذا، أو من ذا، فيكون على غير [ ص: 147 ] اعتبار قول ، وحمزة [كان] جائزا كما تقول للرجل: تخاف؛ لأنك خبيث، وبأنك، وعلى أنك.... عبد الله
وقوله: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما يقال كيف قال: فلا جناح عليهما، وإنما الجناح -فيما يذهب إليه الناس- على الزوج؛ لأنه أخذ ما أعطى؟ ففي ذلك وجهان:
أن يراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا في سورة الرحمن يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب. ومنه نسيا حوتهما وإنما الناسي صاحب موسى وحده. ومثله في الكلام أن تقول: عندي دابتان أركبهما وأستقي عليهما، وإنما يركب إحداهما ويستقي على الأخرى، وقد يمكن أن يكونا جميعا تركبان ويستقى عليهما. وهذا من سعة العربية التي يحتج بسعتها. ومثله من كتاب الله ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فيستقيم في الكلام أن تقول: قد جعل الله لنا ليلا ونهارا نتعيش فيهما وننام فيهما. وإن شئت ذهبت بالنوم إلى الليل وبالتعيش إلى النهار.
والوجه الآخر أن يشتركا جميعا في ألا يكون عليهما جناح إذ كانت تعطي ما قد نفي عن الزوج فيه الإثم، أشركت فيه؛ لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت هي إلى مثل ذلك. ومثله قول الله تبارك وتعالى: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه وإنما موضع طرح الإثم في المتعجل، فجعل [ ص: 148 ] للمتأخر -وهو الذي لم يقصر- مثل ما جعل على المقصر. ومثله في الكلام قولك: إن تصدقت سرا فحسن [وإن تصدقت جهرا فحسن] .
وفي قوله ومن تأخر فلا إثم عليه وجه آخر وذلك أن يريد: لا يقولن هذا المتعجل للمتأخر: أنت مقصر، ولا المتأخر للمتعجل مثل ذلك، فيكون قوله فلا إثم عليه أي فلا يؤثمن أحدهما صاحبه.
وقوله: فلا جناح عليهما أن يتراجعا يريد: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا، (أن) في موضع نصب إذا نزعت الصفة، كأنك قلت: فلا جناح عليهما أن يراجعها، قال وكان يقول: موضعه خفض. قال الكسائي : ولا أعرف ذلك. الفراء
وقوله إن ظنا أن يقيما أن) في موضع نصب لوقوع الظن عليها.