وقوله: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم   
المعنى لا تنسوا نعمتي، لتكن منكم على ذكر، وكذلك كل ما جاء من ذكر النعمة فإن معناه -والله أعلم- على هذا: فاحفظوا ولا تنسوا. وفي حرف  عبد الله: 
  [ ص: 29 ]  "ادكروا" . وفي موضع آخر: (وتذكروا ما فيه) . ومثله في الكلام أن تقول: اذكر مكاني من أبيك . 
وأما نصب الياء من نعمتي  فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان: 
الإرسال والسكون، والفتح، فإذا لقيتها ألف ولام، اختارت العرب اللغة التي حركت فيها الياء وكرهوا الأخرى؛ لأن اللام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا: نعمتي التي، فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين وأبينهما. وقد يجوز إسكانها عند الألف واللام وقد قال الله: 
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم  فقرئت بإرسال الياء ونصبها، وكذلك ما كان في القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم تكن فيه الياء لم تنصب. 
وأما قوله: فبشر عباد  الذين يستمعون القول   . فإن هذه بغير ياء، فلا تنصب ياؤها وهي محذوفة، وعلى هذا يقاس كل ما في القرآن منه. 
وقوله: فما آتاني الله خير مما آتاكم  زعم  الكسائي  أن العرب تستحب نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام، مثل قوله: إن أجري إلا على الله  و إني أخاف الله   . ولم أر ذلك عند العرب، رأيتهم يرسلون الياء فيقولون: عندي أبوك، ولا يقولون: عندي أبوك بتحريك الياء إلا أن يتركوا الهمز فيجعلوا الفتحة في الياء في هذا ومثله. وأما قولهم: لي ألفان، وبي أخواك كفيلان،  [ ص: 30 ] فإنهم ينصبون في هذين لقلتهما، [فيقولون: بي أخواك، ولي ألفان، لقلتهما] ، والقياس فيهما وفيما قبلهما واحد. 
				
						
						
