الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله عز وجل : وما لأحد عنده من نعمة تجزى  

                                                                                                                                                                                                                                      يقول : لم ينفق نفقته مكافأة ليد أحد عنده ، ولكن أنفقها ابتغاء وجه ربه ، فإلا في هذا الموضع بمعنى (لكن) وقد يجوز أن تجعل الفعل في المكافأة مستقبلا ، فتقول : ولم يرد مما أنفق مكافأة من أحد . ويكون موقع اللام التي في أحد- في الهاء التي خفضتها عنده ، فكأنك قلت : وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها ، وكلا الوجهين حسن ، قال الفراء :

                                                                                                                                                                                                                                      ما أدري أي الوجهين أحسن ، وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان المعنى معروفا وقد قال الشاعر .


                                                                                                                                                                                                                                      لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المكاره عاقل

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 273 ] والمعنى : حتى ما تزيد مخافة (وعل) على مخافتي ، ومثله من غير المخفوض قول الراجز :


                                                                                                                                                                                                                                      إن سراجا لكريم مفخره     تحلى به العين إذا ما تجهره



                                                                                                                                                                                                                                      [قال ] الفراء : حليت بعيني ، وحلوت [في صدري ] والمعنى : تحلى بالعين إذا ما تجهره ، ونصب الابتغاء من جهتين : من أن تجعل فيها نية إنفاقه ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه . والآخر على اختلاف ما قبل إلا وما بعدها والعرب تقول : ما في الدار أحد إلا أكلبا وأحمرة ، وهي لغة لأهل الحجاز ، ويتبعون آخر الكلام أوله فيرفعون في الرفع ، وقال الشاعر في ذلك .


                                                                                                                                                                                                                                      وبلدة ليس بها أنيس     إلا اليعافير وإلا العيس



                                                                                                                                                                                                                                      فرفع ، ولو رفع إلا ابتغاء وجه ربه رافع لم يكن خطأ لأنك لو ألقيت من : من النعمة لقلت : ما لأحد عنده نعمة تجزى إلا ابتغاء ، فيكون الرفع على اتباع المعنى ، كما تقول : ما أتاني من أحد إلا أبوك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية