ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها، اكتفى بيكون بلا فعل . وكذلك (يكون) في كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل، ألا ترى أنك تقول: ذهب الناس إلا أن يكون أخاك، وأخوك. وإنما استغنت كان ويكون عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعل يكون للاسم. فلما قيل: قام الناس إلا زيدا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كان تامة. ومن نصب: قال كان من عادة كان عند العرب مرفوع ومنصوب، فأضمروا في كان اسما مجهولا، وصيروا الذي بعده فعلا لذلك المجهول. وذلك جائز في كان، وليس، ولم يزل، وفي أظن وأخواتها: أن تقول (أظنه زيد أخوك و) أظنه فيها زيد. ويجوز في إن وأخواتها كقول الله تبارك وتعالى: يا بني إنها إن تك مثقال حبة وكقوله: إنه أنا الله العزيز الحكيم فتذكر الهاء وتوحدها، ولا يجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز فتقول: إنها ذاهبة جاريتك، وإنه ذاهبة جاريتك.
فإن قلت: كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تجز التثنية مع الاثنين؟
قلت: لأن العرب إنما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلما جاز وأخذ الذين ظلموا الصيحة وأخذت، جاز التأنيث، والتذكير. ولما لم يجز:
قاما أخواك ولا قاموا قومك، لم يجز تثنيتها ولا جمعها.
فإن قلت: أتجيز تثنيتها في قول من قال: ذهبا أخواك؟ قلت: لا، من قبل أن الفعل واحد، والألف التي فيها كأنها تدل على صاحبي الفعل، والواو في الجمع [ ص: 362 ] تدل على أصحاب الفعل، فلم يستقم أن يكنى عن فعل واسم في عقدة، فالفعل واحد أبدا لأن الذي فيه من الزيادات أسماء.
وتقول في مسألتين منه يستدل بهما على غيرهما: إنها أسد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا للأسد ولمثله من المذكر لم يجز إلا تذكير الهاء. وكذلك كل اسم مذكر شبهته بمؤنث فذكر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بمذكر ففيه تذكير الهاء وتأنيثها فهذه واحدة. ومتى ما ذكرت فعل مؤنث فقلت: قام جاريتك، أو طال صلاتك، (ثم أدخلت عليه إنه) لم يجز إلا تذكيرها، فتقول: إنه طال صلاتك فذكرتها لتذكير الفعل، لا يجوز أن تؤنث وقد ذكر الفعل.
وإذا رأيت الاسم مرفوعا بالمحال- مثل عندك، وفوقك، وفيها- فأنث وذكر في المؤنث ولا تؤنث في المذكر. وذلك أن الصفة لا يقدر فيها على التأنيث كما يقدر (في قام) جاريتك على أن تقول: قامت جاريتك. فلذلك كان في الصفات الإجراء على الأصل.
وإذا أخليت كان باسم واحد جاز أن ترفعه وتجعل له الفعل. وإن شئت أضمرت فيه مجهولا ونصبت ما بعده فقلت: إذا كان غدا فأتنا. وتقول:
اذهب فليس إلا أباك، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدا كأنه قال: ليس أحد [ ص: 363 ] إلا أبوك، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت. ومن قال: إذا كان غدوة فأتنا لم يجز له أن يقول: إذا غدوة كان فأتنا، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وإذا قرنت بالنكرة في كان صفة فقلت:
إن كان بينهم شر فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كان الوجه الرفع فقلت: إن كان شر بينهم فلا تقربهم، ويجوز النصب. قال وأنشدني بعضهم:
فعيني هلا تبكيان عفاقا إذا كان طعنا بينهم وعناقا
فإذا أفردت النكرة بكان اعتدل النصب والرفع. وإذا أفردت المعرفة بكان كان الوجه النصب يقولون: لو كان إلا ظله لخاب ظله. فهذه على ما وصفت لك.