الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث مجاهد أنه قال: "من أسماء مكة بكة، وهي أم رحم، وهي أم القرى، وهي كوثى، وهي الباسة".

حدثنيه محمد بن نافع، أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، أخبرنا أبو الوليد الأزرقي، أخبرني جدي، عن داود بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن مجاهد .

أخبرني أبو عمر، عن أبي العباس ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: إنما سميت مكة مكة؛ لأن الشيء فيها ضيق، يقال: مكني الشيء إذا ضاق عني، وسميت بكة؛ لأن الناس يتباكون فيها أي: يتزاحمون.

والرحم: الرحمة، يقال: رحمته رحمة ورحما ومرحمة.

[ ص: 72 ]

[وقال غيره: إنما سميت مكة؛ لأنها تمك الذنوب: أي تذهب بها كلها، من قولهم: مك الفصيل ضرع أمه، وامتك إذا امتص كل ما فيه من اللبن.

قال: وسميت أم رحم؛ لأنها تصل ما بين الناس كلهم في الحج، فيجتمع فيها أهل كل بلد، ويقال: لأن الناس يتزاحمون فيها].

وكوثى: بقعة بمكة، وهي محلة بني عبد الدار، وأما كوثى العراق فهي قرية ولد بها إبراهيم -عليه السلام- يقال لها: كوثى ربى، وأنشد أبو العباس ثعلب:


لعن الله منزلا بطن كوثى ورماه بالفقر والإمعار     ليس كوثى العراق أعني ولكن
كوثة الدار دار عبد الدار



والباسة إنما سميت بها؛ لأنها تبس من ألحد فيها، أي: تحطمه وتهلكه، والبس: الحطم والكسر. ومنه قوله -عز وجل-: وبست الجبال بسا .

وقد يروى أيضا: الناسة، بالنون، ومعناه أنها تنس من ألحد فيها: أي تطرده، والنس: السوق، ويقال: السير الشديد. قال الحطيئة:

[ ص: 73 ]


وقد نظرتكم إيناء صادرة     في الحي طال بها حوزي وتنساسي



فالحوز: السير الرويد، والتنساس: السير الشديد.

قال المبرد: ومن أسماء مكة صلاح.

قال: وقال حرب بن أمية لأبي مطر الحضرمي يدعوه إلى حلفه ونزول مكة:


أبا مطر هلم إلى صلاح     فتكفيك الندامى من قريش



وقال أبو سليمان في حديث مجاهد ، في قوله تعالى: وله الجوار المنشآت .  قال: "ما رفع قلعه". [يرويه] شبابة، عن ورقاء، يعني عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد .

القلع: الشراع.

وبهذا الإسناد في قوله: ومنهم من يلمزك في الصدقات  قال: "يروزك ويسألك".

"يروزك" أي: يمتحنك، ويقال: رزت الرجل، إذا امتحنته لتنظر ما عنده، أروزه روزا.

[ ص: 74 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية