حدثناه أحمد بن إبراهيم بن مالك، نا أبو مسلم الكجي، نا الرمادي، نا سفيان، أخبرني أبو هارون المديني أن عائشة قالت ذلك.
قوله: "السام" فسره أبو عبيد في كتابه، وقال: هو الموت. قال أبو سليمان: وتأوله قتادة على خلاف هذا.
حدثنا محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي، نا يحيى بن أبي طالب، نا عبد الوهاب، أنا سعيد بن أبي عروبة قال: كان قتادة يفسر "السام عليكم": تسأمون دينكم، وهو مصدر سئمته سآمة وسآما مثل رضاعة ورضاع ولذاذة ولذاذ. والأفن: النقص، ومنه قولهم: رجل أفين أي: ناقص العقل، وفي مثل للعرب: إن الرقين تذهب أفن الأفين، قال قيس بن الخطيم:
رددنا الكتيبة مفلولة بها أفنها وبها ذامها
[ ص: 321 ] ويقال: أفنت الناقة إذا استوعبت حلبا، قال الشاعر:
إذا أفنت أروى عيالك أفنها وإن حينت أربى على الوطب حينها
وهذا راجع أيضا إلى النقص. والذام: العيب، وهو الذاب والذان، ومنه قولهم: "لا تعدم الحسناء ذاما".
قال لبيد:
وكثيرة غرباؤها مجهولة ترجى نوافلها ويخشى ذامها
يقال: ذامه يذيمه، وذماه يذميه مقلوبا، وفيه لغة أخرى: ذأمه يذأمه ذأما مهموز، وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لعائشة: "لا تقولي ذلك؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفاحش" . أراد بالفحش عدوان الجواب لا الفحش الذي هو من قذع الكلام، والفحش: زيادة الشيء على مقداره.
ومنه قول الفقهاء: يصلى في دم البراغيث إذا لم يكن فاحشا أي: كثيرا غالبا. وقال النمر بن تولب:
وقد تثلم أنيابي وأدركني قرن علي شديد فاحش الغلبه
[ ص: 322 ] وقال امرؤ القيس:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش إذا هي نصته ولا بمعطل
جعل زيادة الجيد على مقداره المستحسن فحشا.
وفي خبر هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنه قال لها: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله"، قالت: أولم تعلم ما قالوا؟ قالوا: السام عليك، قال: "قد قلت: عليكم" .
قال أبو سليمان: وهذا أحسن من رواية من قال: وعليكم بالواو؛ لأن هذا معناه رددت ما قلتموه عليكم، وإذا أدخلت الواو صار المعنى علي وعليكم، لأن الواو حرف الجمع والتشريك.


