الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإن لم يفعلوا فضعوا سيوفكم على عواتقكم، فأبيدوا خضراءهم".  

[ ص: 362 ] .

أخبرناه ابن الأعرابي، نا الحسن بن عفان العامري، نا الحسن بن عطية، نا يحيى بن سلمة، عن أبيه، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان.

الخوارج ومن يرى رأيهم يتأولونه في الخروج على الأئمة، ويحملون قوله: "ما استقاموا لكم" على العدل في السيرة، وإنما الاستقامة هاهنا الإقامة على الإسلام. يقال: أقام واستقام بمعنى واحد، كما يقال: أجاب واستجاب. قال الله تعالى: ادعوني أستجب لكم وقال الشاعر:


وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب



والمعنى: استقيموا لهم ما أقاموا على الشريعة ولم يبدلوها، ويدل على صحة ما تأولناه في الاستقامة حديث أبي بكر الصديق.

أخبرناه ابن الأعرابي، نا أبو داود، نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن ابن نمران البجلي، قال: قرئت عند أبي بكر: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئا.

ويؤيد هذا المعنى حديثه الآخر حدثناه إبراهيم بن فراس، نا محمد بن عيسى البياضي، ثنا أحمد بن عبدة، نا عبد الوارث بن سعيد، نا محمد بن جحادة، عن الوليد بن عبد الله، عن عبد الله البهي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيليكم أمراء تقشعر منهم [ ص: 363 ] الجلود، وتشمئز منهم القلوب" قالوا: يا رسول الله، أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا الصلاة"   .

فأما حديثه الآخر أنه قال: "الأئمة من قريش، أبرارها أمراء أبرارها، وفجارها أمراء فجارها"   .

أخبرناه ابن الأعرابي، نا الفضل بن يوسف الجعفي، ثنا الفيض بن الفضل البجلي، نا مسعر، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، عن علي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الأئمة من قريش، أبرارها أمراء أبرارها، وفجارها أمراء فجارها".

وحدثنا ابن شوذب، نا شعيب بن أيوب الصريفيني، نا أبو أسامة، نا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الناس تبع لقريش، خيارهم تبع لخيارهم، وشرارهم تبع لشرارهم"   . فإنما هو على جهة الإخبار عنهم لا على طريق الحكم فيهم. يقول: إذا صلح الناس وبروا وليهم الأبرار، وإذا فسدوا وفجروا سلط الله عليهم الأشرار.

وهذا كحديثه الآخر: "كما تكونون كذلك يسلط عليكم".

[ ص: 364 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية