الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله، إنا نلقى العدو غدا وليس معنا مدى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرن واعجل، ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سن أو ظفر"   .

أخبرناه ابن داسة، نا أبو داود، نا مسدد، نا أبو الأحوص، نا سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة، عن أبيه، عن جده رافع بن خديج.

هكذا، قال ابن داسة: "أرن" مكسورة الراء على وزن عرن.

ورواه محمد بن إسماعيل البخاري، عن عمرو بن علي، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن أبيه، عن عباية بن رفاعة قال: أرن ساكنة الراء على وزن عرن.

هكذا، حدثني خلف بن محمد، عن إبراهيم بن معقل عنه.

وهذا حرف طالما استثبت فيه الرواة، وسألت عنه أهل العلم باللغة فلم [ ص: 386 ] أجد عند واحد منهم شيئا يقطع بصحته، وقد طلبت له مخرجا فرأيته يتجه لوجوه:

أحدها: أن يكون مأخوذا من قولهم: أران القوم فهم مرينون، إذا هلكت مواشيهم، فيكون معناه أهلكها ذبحا وأزهق أنفسها بكل ما أنهر الدم غير السن والظفر، هذا إذا رويته أرن، بكسر الراء، على ما رواه أبو داود.

والوجه الثاني: أن يقال ائرن مهموز على وزن اعرن من أرن يأرن أرنا إذا نشط وخف، يقول: خف واعجل لئلا تقتلها خنقا، وذلك أن غير الحديد لا يمور في الذكاة موره، والأرن: الخفة والنشاط، ويقال في مثل: سمن فأرن أي: بطر.

قال الفراء: العرص، والهبص، والأرن، والترمع، والتقلز كله النشاط، وقد هبص وعرص وأرن ورجل أرون: أي: نشيط خفيف ومهر أرون، قال حميد بن ثور:


يظل خباؤنا وكأن حبلا به متعلق مهرا أرونا



والوجه الثالث: أن يكون ارن. بمعنى أدم الحز ولا تفتر، من قولك: رنوت النظر إلى الشيء إذا أدمته. وكأس رنوناة: دائبة لا تفتر [ ص: 387 ] ولا تنقطع، أو يكون أراد أدم النظر إليه، وراعه ببصرك لا يزل عن المذبح.

قال: وأقرب من هذا كله أن يكون أرز بالزاي: أي: شد يدك على المحز، واعتمد بها عليه. من قولك: أرز الرجل إصبعه إذا أثاخها في الشيء، وأرزت الجرادة إرزازا إذا أدخلت ذنبها في الأرض لكي تبيض. وارتز السهم في الجدار إذا ثبت. هذا إن ساعدته الرواية، والله أعلم بالصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية