الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال يوم بدر: "إن جمع قريش عند هذه الضلع الحمراء من الجبل".

قال علي بن أبي طالب: فلما دنا القوم وصافناهم إذا عتبة بن ربيعة يسير في القوم على جمل أحمر، وهو ينهى عن القتال ويقول لهم: يا قوم، إني أرى قوما مستميتين. يا قوم، اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة، وقد تعلمون أني لست بأجبنكم، فقال له أبو جهل: والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته، قد ملئ جوفك رعبا. وفي رواية أخرى: قد ملئ سحرك، فقال عتبة: إياي تعني يا مصفر استه، ستعلم أينا اليوم أجبن.
 
في حديث طويل.

أخبرناه ابن الأعرابي، نا الزعفراني، نا شبابة، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي.

قال الأصمعي: الضلع جبيل صغير ليس بمنقاد.  وقال غيره: إنما سمي ضلعا لميله وانحرافه؛ تمثيلا له بضلع الإنسان. والضلع: الميل. ومن هذا قولك ضلعك مع فلان أي: صغوك وميلك إليه. قال النابغة:

[ ص: 397 ]


أتوعد عبدا لم يخنك أمانة وتترك عبدا ظالما وهو ضالع



وقوله: "صافناهم" أي: واقفناهم في مركز القتال. والصافن: الواقف. ومنه الحديث: "من سره أن يقوم له الرجال صفونا فليتبوأ مقعده من النار"   .

وقال حميد بن ثور:


كأن سمومها سرعان نار     إذا ما شمسها صفنت صفونا



يقال: صفن الفرس إذا قام على ثلاث قوائم، قال الله تعالى: إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد . فأما قول الفرزدق:


فلما تصافنا الإداوة أجهشت     إلي غضون العنبري الجراضم



فالتصافن: أن يطرح في الإناء حجر، ثم يصب فيه من الماء ما يغمره، لئلا يتغابنوا، يفعلون ذلك في الأسفار عند ضيق الماء وإعوازه. واسم تلك الحصاة المقلة.

وقوله: "أرى قوما مستميتين"  أي: مستقتلين. والمستميت الذي يقاتل على الموت. قال حمزة بن عبد المطلب:


بكفي ماجد لا عيب فيه     إذا لقي الكريهة يستميت



[ ص: 398 ] وقوله: اعصبوها برأسي،  يريد الحرب وهي تؤنث، أو يكون أراد السبة التي تلحقهم بالفرار من الحرب، والجنوح إلى السلم، فأضمرها في الكلام اعتمادا على معرفة المخاطبين بها. وقوله: ملئ سحرك. قال أبو زيد: يقال للرجل إذا جبن وانكسر: قد انتفخ سحره. قال: والسحر ما تعلق بالحلقوم والرئة.

قال الشاعر:


ونار كسحر العود يرفع ضوءها مع     الليل هبات الرياح الصوارد



وقال أبو عبيدة في قوله: إنما أنت من المسحرين . يريد ممن له سحر مما تعلق بالحلقوم. قال: وكل من احتاج إلى غذاء فهو مسحر. وأنشد للبيد:


فإن تسألينا فيم نحن فإننا     عصافير من هذا الأنام المسحر



ويقال: انصرف الرجل من حاجته صريم سحر، إذا صار آيسا منها. قال قيس بن الخطيم:


تقول ظعينتي لما استقلت     أتترك ما جمعت صريم سحر



وأما قوله: "يا مصفر استه" فقد قيل: إنه نسبه إلى التوضيع والتأنيث.

وقد قال فيه بعض الأنصار:


ومن جهل أبو جهل أخوكم     غزا بدرا بمجمرة وتور



[ ص: 399 ] وقد قيل: إنه لم يرد به ذاك، وإنما هو كلمة. يقال للرجل المترف الذي يؤثر الراحة، ويميل إلى التنعم.

التالي السابق


الخدمات العلمية