الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اللهم أعني على مضر بالسنة، فجاءه مضري، فقال: يا نبي الله، والله ما يخطر لنا [ ص: 410 ] جمل، وما يتزود لنا راع".  وفي رواية أخرى: "ما يغط لنا بعير".

قال: فدعا الله لهم، فما مضى ذلك اليوم حتى مطروا، وما مضت سابعة حتى أعطن الناس في العشب.


أخبرناه محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، قال في الحديث الأول عن ابن جريج، عن حبيب بن أبي ثابت. وقال في الحديث الآخر: عن ابن عيينة، عن عمر بن سعيد، أو غيره، عن سالم بن أبي الجعد.

"السنة": الجدب. يقال: أسنت القوم إذا أجدبوا فهم مسنتون، قال الشاعر:


عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف



وقوله: "ما يخطر لنا جمل" يريد أن الفحولة لما بها من الضر والهزال لا تغتلم، فتهدر، وإنما يخطر البعير بذنبه إذا اغتلم. وقال عبد الملك بن مروان لما قتل عمرو بن سعيد: لقد قتلته، وإنه لأعز علي من جلدة ما بين عيني، ولكن لا يخطر فحلان في شول.

وحدثني أحمد بن إبراهيم بن خزيمة، نا إسحاق بن إبراهيم، نا أحمد بن مصعب المروزي، نا الفضل بن موسى السيناني، عن داود العطار، قال: [ ص: 411 ] سمع سليمان بن عبد الملك في معسكره صوت غناء، فدعا بهم، ثم قال لهم: أما إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الجمل ليخطر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليغني فتشتاق إليه المرأة اخصوهم، فقال عمر بن عبد العزيز: إنها مثلة، وطلب إليه فخلى سبيلهم، ويقال: خطر البعير بذنبه خطرا وخطيرا، وخطر الشيء ببالي خطورا، وخطر الرجل في مشيته خطرانا.

قال أبو زيد: يقال: غط البعير إذا هدر في الشقشقة، فإذا لم يكن في الشقشقة فهو هدير. والناقة تهدر ولا تغط؛ لأنه لا شقشقة لها. وقال الأصمعي: إذا بلغ الذكر من الإبل الهدير فأوله الكشيش، فإذا ارتفع قليلا فهو الكتيت، فإذا أفصح بالهدر قيل: هدر هديرا، فإذا صفا صوته قيل: قرقر، فإذا جعل يهدر هديرا كأنه يقصره قيل: زغد يزغد زغدا، فإذا جعل كأنه يقلعه قلعا قيل: قلخ، وبعير قلاخ. ويقال لكل ذات ظلف [ ص: 412 ] إذا أرادت الفحل استحرمت، ولكل ذات حافر استودقت، ولكل ذات مخلب كالكلب ونحوه صرفت واستجعلت، ويقال: للناقة ضبعت.

وقوله: "حتى أعطن الناس في العشب"  يريد: أن الغدران قد امتلأت ماء، فصارت أعطان الإبل في مراعيها، والعطن: مناخ الإبل عند الحوض بعد الصدر، وإنما يعطن بعد الري، قال عمر بن لجأ:


يمشي إلى رواء عاطناتها



التالي السابق


الخدمات العلمية