وقال في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: أبو سليمان "أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم".
أصل السكة: الحديدة التي تطبع عليها الدراهم، ثم قيل للدراهم المضروبة سكة؛ لأنها ضربت بها. وفي كراهيته لذلك وجوه: أحدها: أن يكون كره تقطيع الدرهم الصحيح والدينار الصحيح وتقريضهما، لما فيهما من ذكر الله جل وعز، وإلى هذا المعنى ذهب حدثونا عن أحمد بن حنبل، أبي داود، قال: قلت لأحمد: معي درهم صحيح، وقد حضر سائل أكسره؟ فقال: لا. ويقال: إنما كره ذلك؛ لأنه يضع من قيمته، وقد نهي عن إضاعة المال. ويقال: بل المعنى فيه كراهية التدنيق وذمه. وكان يقول: "لعن الله الدانق، وأول من أحدث الدانق، ما كانت العرب تعرفه ولا أبناء الفرس". الحسن
وفيه وجه آخر، وهو أن يكون إنما نهى عن كسره على أن يعاد تبرا، فأما أن يرصد للنفقة فلا، وإلى هذا ذهب قاضي [ ص: 457 ] محمد بن عبد الله الأنصاري البصرة، وقد يكون ذلك أيضا بأن يكسر فيتخذ منها أواني وزخرفا ونحوها، ويقال: إن المعاملة كانت تجري بها في صدر الإسلام عددا لا وزنا، وكان بعضهم يكسرها ويأخذ أطرافها قرضا بالمقاريض، فكان ذلك سبب النهي، والله أعلم.
فأما الحديث: "ما دخلت السكة دار قوم إلا ذلوا"، فإن السكة هاهنا الحديدة التي يحرث بها، أراد أن أهل الحرث ينالهم الذل لما يلحقهم من المطالبات بالخراج والعشر ونحوهما. ويقال: العز في نواصي الخيل، والذل في أذناب البقر.