وقال في حديث النبي صلى الله عليه: أبو سليمان رفاعة القرظي: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك". قالت: فإنه يا رسول الله قد جاءني هبة. أنه قال لامرأة
[ ص: 546 ] حدثناه نا الأصم، ابن عبد الحكم، أنا أخبرني ابن وهب، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن هشام بن عروة، قال عائشة، ابن عبد الحكم: هبة تريد مرة.
قال : للهبة هاهنا معنيان؛ أحدهما أن تكون بمعنى الوقعة، يقال: إنه لذو هبة إذا كانت له وقعة شديدة، ومنه يقال: احذر هبة السيف أي وقعته، فالمعنى على هذا أنه قد أتاها وقعة واحدة، وهو معنى تفسير أبو سليمان ابن وهب.
والوجه الآخر أن تكون الهبة بمعنى الحقبة من الدهر. قال يقال غنينا بذلك هبة من الدهر، والدهر هبات وسبات: أي عصر بعد عصر، وكان بعضهم يتأوله على غير هذا وذاك، ويراه من هباب الجمل، أو هبيب التيس إذا اهتاج للسفاد، والأول أجود وأشبه. أبو زيد:
وفي الحديث من الفقه أنه إذا طلقها قبل أن يواقعها لم تحل للزوج الأول. قال والعسيلة تصغير العسل، وهي كناية عن اللذة. ابن المنذر: وفيه كالدلالة على أن الزوج إذا أتاها وهي نائمة لا تشعر، أو مغمى عليها لا تحس باللذة، لم تحل للزوج الأول.
وفي هذا الحديث أنها قالت: رفاعة فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت وأنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها. عبد الرحمن بن الزبير، إني كنت عند
وفي هذا دليل على أن وأن لها أن تدعو إلى [ ص: 547 ] فسخ النكاح، وذلك أنها إنما ادعت بهذا القول عليه العنة، ولم ترد أن ذلك منه في دقة الهدبة، إنما أرادت أنه كالهدبة ضعفا واسترخاء. لامرأة العنين المطالبة بحقها،
يدل على صحة هذا رواية ذكره عكرمة، عن محمد بن إسماعيل البخاري، محمد بن بشار، عن عبد الوهاب، عن أيوب، عن عكرمة رفاعة طلق امرأته فتزوجها قالت: عبد الرحمن بن الزبير فجاءت وعليها خمار أخضر، فشكت إلى عائشة وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء رسول الله -والنساء ينصر بعضهن بعضا- قالت عائشة، ما رأيت مثل ما تلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها. عائشة: قال: وسمع أن رفاعة، فقال رسول الله: "فإن كان ذلك لم تحلي له حتى تذوقي عسيلته" قال: فأبصر معه ابنين له، فقال: "بنوك هؤلاء؟" فقال: نعم، قال: "هذا الذي تزعمين ما تزعمين، فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب". أنها قد أتت رسول الله فجاء ومعه ابنان له من غيرها. قالت: والله ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه، وأخذت هدبة من ثوبها، فقال: كذبت والله يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز تريد
فهذه القصة بطولها تدل على أنها جاءت تدعي عليه العنة.