الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أنه قال: "تدور رحا الإسلام في ثلاث وثلاثين سنة، أو أربع وثلاثين سنة،  فإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين سنة، وإن يهلكوا فسبيل من هلك من الأمم"، قالوا: يا رسول الله سوى الثلاث والثلاثين؟ قال: "نعم".

أخبرناه ابن الأعرابي، أنا أحمد بن موسى السعدي، نا وضاح بن يحيى، نا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، حدثني منصور، عن ربعي، عن عبد الله قال: وحدثناه سوادة بن علي الأحمسي، نا إبراهيم بن زياد الصائغ، نا شاذان، نا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن منصور، عن ربعي، عن البراء بن ناجية، عن عبد الله قال: وحدثناه الحسن بن مكرم، نا يزيد بن هارون، نا العوام بن حوشب، عن أبي إسحاق الشيباني، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله قال: قال رسول الله: "تدور رحا الإسلام بعد خمس وثلاثين سنة، أو ست وثلاثين سنة، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن بقوا بقي لهم دينهم سبعين عاما".

قوله: تدور رحا الإسلام في ثلاث وثلاثين سنة مثل، يريد أن هذه المدة إذا انتهت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف لذلك على أهله الهلاك. يقال: للأمر إذا تغير واستحال قد دارت رحاه، قال الحطيئة:


[ ص: 550 ] وكنت إذا دارت رحا الأمر زعته بمخلوجة فيها عن الأمر مصرف

المخلوجة: الرأي.

وهذا -والله أعلم- إشارة إلى انقضاء مدة الخلافة، واستيلاء بني أمية على الملك، وكان استواء الأمر لمعاوية سنة الجماعة، وهي السنة التي بايعه فيها الحسن بن علي، وذلك سنة إحدى وأربعين، ولا يزال الناس يشبهون صروف الزمان وعقب الأيام وانقلاب الدول بالرحا الدوارة، والمنجنون المنقلب، وهذا في كلامهم أكثر من أن يستشهد له أو يدل عليه.

وفيه وجه آخر، وهو أن يراد بدور الرحا وقوع الفتن وهيج الحروب. قال الشاعر يصف حربا:


فدارت رحانا واستدارت رحاهم     سراة النهار ما تولى المناكب

وقال أبو الغول:


معاشر لا يملون المنايا     إذا دارت رحا الحرب الطحون

وقال زهير:


فتعرككم عرك الرحا بثفالها     وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم

وقوله: بقي لهم دينهم سبعين سنة، أي ملكهم، فكان من لدن ولي معاوية إلى أن ملك مروان الذي يقال: له الحمار، وظهر بخراسان أمر أبي مسلم، ووهى أمر بني أمية نحوا من سبعين سنة. والدين: الملك والسلطان. قال الله [ ص: 551 ] تعالى: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك : أي في سلطانه وملكه.

وقال الشاعر من أهل الردة:


أطعنا رسول الله إذ كان حاضرا     فيا لهفتا ما بال دين أبي بكر

يريد ملكه. ويروى ملك أبي بكر.

وقال الأموي: يقال دنته أي ملكته. وأنشد للحطيئة:


لقد دينت أمر بنيك حتى     تركتهم أدق من الطحين

يريد ملكت أمرهم.

وقد روي معنى ما تأولناه، عن ابن مسعود.

أخبرنا محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن ابن مسعود قال: إذا كانت سنة خمس وثلاثين حدث أمر عظيم، فإن يهلكوا فبالحرى. وإن ينجوا فعسى، فإذا كانت سبعين رأيتم ما تنكرون.

التالي السابق


الخدمات العلمية