الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه في المبعث أنه قال: "بينا أنا نائم في بيتي أتاني ملكان، فانطلقا بي إلى ما بين المقام وزمزم، فسلقاني على قفاي، ثم شقا بطني،  فأخرجا حشوتي فقال أحدهما لصاحبه: شق قلبه فشق قلبي فأخرج علقة سوداء فألقاها، ثم أدخل البرهرهة، ثم ذر عليه من ذرور معه وقال: قلب وكيع واع .. " في قصة طويلة.

يرويه الواقدي، حدثني بذلك جماعة من أصحابنا سماهم أو سمى بعضهم.

قوله: سلقاني: معناه ضربا بي الأرض، وأصله من السلق، وهو الضرب، وقد فسره ابن قتيبة. وأما البرهرهة فقد أكثرت السؤال عنها فلم أجد فيها قولا يليق بمعنى الحديث يقطع بصحته، وإنما أصلها في اللغة أن الجارية البيضاء الناعمة التي ترتج لرطوبتها يقال لها البرهرهة وكتبت فيها إلى الأزهري فكان من جوابه أنه تصحيف من بعض النقلة، وإنما هو من الحديث الذي يروي أنه شق قلبه ثم غسل في طست رهره، فعرف الرهره وجعله البرهره فأفسده، قال ويقال للطست الواسع الذي لا قعر له طست رهره ورحرح. وكنت قد عزمت على أن أهمل هذا الحرف ولا أتكلم في تفسيره إلى أن وجدت هذه القصة بغير هذا اللفظ على نحو ما أرويه لك.

حدثنا أحمد بن إبراهيم بن مالك، نا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو داود، ثنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي، أخبرني عمر بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، [ ص: 676 ] كيف علمت أنك نبي؟ فقال: "أتاني ملكان" وقص القصة بطولها، وذكر أنه شق عن قلبه إلى أن قال: "فدعا بسكينة كأنها درهمة بيضاء، فأدخلت قلبي" الحديث، فوقع لي عند ذلك أنه أراد بالبرهرهة سكينة بيضاء صافية الحديدة، شبهها بالبرهرهة من النساء في بياضها وصفاء لونها، والله أعلم بالصواب.

وقوله: "قلب وكيع" معناه متين صلب. يقال: سقاء وكيع إذا أحكم خرزه لئلا يسرب ماؤه، وقد استوكع السقاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية