إن على سائلنا أن نسأله والعبء لا تعرفه أو تحمله
يا هذا إنك قد سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئا . فمن الرجل ؟ قال أبو بكر: أنبأنا من قريش قال : بخ بخ أهل الشرف والرياسة فمن أي القرشيين قال : من ولد تيم بن مرة فقال الفتى : أمكنت والله من سواء الثغرة فمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر وكان يدعى في قريش مجمعا قال : لا قال : فمنكم هاشم الذي شم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ؟ قال : لا قال : فمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء ؟ قال : لا قال : فمن أهل الإفاضة بالناس أنت ؟ قال : لا قال : فمن أهل الندوة ؟ قال : لا فمن أهل السقاية قال : لا قال : فمن أهل الحجابة ؟ قال : لا قال : واجتذب أبو بكر زمام الناقة فقال الفتى :صادف درء السيل درء يدفعه يهيضه حينا وحينا يصدعه
وحدثنيه محمد بن الحسين أخبرنا السراج أخبرنا عبد الجبار بن كثير أخبرنا محمد بن بشر اليماني عن أبان بن عبد الله البجلي عن أبان بن تغلب بإسناده مثله .
قوله أمن هامها أم من لهازمها . يريد من أشرافها أنت أو من أوساطها واللهازم أصول الحنكين واحدها لهزمة يقال لهزمت الرجل إذا أصبت لهازمه . قال الشاعر :
إما ترى شيبا علاني أغثمه لهزم خدي به ملهزمه
وأرضى بحكم الحي بكر بن وائل إذا كان في الذهلين أو في اللهازم
وأما بسطام بن قيس فهو فارس بكر وكان يقري الضيف ويؤوي الرهيق ويكنى أبا الصهباء [ ص: 23 ] قال أبو عبيدة: والعرب تعد من الفرسان ثلاثة عدوا عتيبة بن الحارث اليربوعي فارس تميم وعدوا بسطام بن قيس بن خالد الشيباني فارس بكر وعدوا عامر بن الطفيل الجعفري فارس قيس وقال الفرزدق يذكر بسطاما :
وقد مات بسطام بن قيس بن خالد ومات أبو غسان شيخ اللهازم
ذهب الخيار من المعاشر كلهم واستب بعدك يا كليب المجلس
وأما الحوفزان فاسمه الحارث بن شريك بن مطر ولقب بالحوفزان لأن بسطام بن قيس حفزه بالرمح فاقتلعه عن سرجه وهو أحد الشجعان المذكورين وإياه عنى الشاعر بقوله :
غاب المثنى فلم يشهد نكاحهما والحوفزان ولم يشهده مفروق
فتاة أبوها ذو العصابة وابنه وعثمان ما أكفاؤها بكثير
ويقال : بل سميت مزدلفة لأنها منزلة وقربة من الله عز وجل وهو قول أبي العباس ثعلب .
قال ومنه قول الله تعالى : فلما رأوه زلفة أي رأوا العذاب قربة .
ومثله قوله وأزلفنا ثم الآخرين أي قربناهم من الهلاك [ ص: 25 ] وروى إسماعيل بن عياش عن نافع بن عامر عن سليمان بن موسى قال كتب رسول الله إلى مصعب بن عمير وهو بالمدينة : "انظر من اليوم الذي تجهز فيه اليهود لسبتها فإذا زالت الشمس فازدلف إلى الله فيه بركعتين واخطب فيهما " .
وقوله أمكنت من سواء الثغرة يريد وسط الثغرة وهي نقرة النحر وسواء كل شيء وسطه قال الشاعر :
وصاحب غير ذي ظل ولا نفس هيجته بسواء البيد فاهتاجا
وأما قوله منكم قصي الذي جمع القبائل من فهر فإنه قصي بن كلاب بن مرة واسمه زيذ وإنما سمي قصيا لأنه قصى قومه أي تقصاهم وهم بالشام فنقلهم إلى مكة فعيل من قصا يقصو ويسمى أيضا مجمعا قال الشاعر :
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
وأما هاشم الذي هشم الثريد لقومه فإنه عمرو بن عبد مناف وسمي هاشما لهشمه الثريد لقومه وكانوا قد أصابتهم مجاعة شديدة فبعث عيرا إلى الشام وحملها كعكا ونحر جزورا وطبخها وأطعم الناس الثريد وفيه يقول الشاعر :
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
وأما الإفاضة فقد اختلف الناس فيها فأخبرني محمد بن نافع حدثنا الخزاعي حدثنا الأزرقي قال قال محمد بن إسحاق كانت الإفاضة إلى [ ص: 27 ] صوفة وصوفة رجل يقال له : الأخزم بن العاص وكان له ابن قد تصدق به على الكعبة يخدمها فجعل إليه حبشية بن سلول الخزاعي الإفاضة وكان يومئذ يلي أمر مكة فكانت الإجازة في ولد صوفة حتى انقرضوا ثم صارت الإفاضة في عدوان يتوارثونها حتى كان الذي قام عليه الإسلام أبو سيارة العدواني وكان يدفع الناس على أتان عوراء رسنها ليف وهي التي يضرب بها المثل فيقال : "أصح من عير أبي سيارة" حج المسلمون والمشركون عامئذ فكان المسلمون في ناحية يدفع بهم عتاب بن أسيد لأنه أمير البلد وكان المشركون يدفع بهم أبو سيارة فلما كانت سنة تسع أرسل رسول الله عليه أبا بكر واستعمله على الحج ونزلت سورة براءة فبعث بها عليا فخطب ونبذ إلى المشركين عهدهم وقال : "لا يجتمع مسلم ومشرك على هذا الموقف " .
وقال غيره كانت الإفاضة في تميم في بني صفوان بن شجنة بن عطارد بن كعب بن سعد قال وقال أوس بن مغراء يذكر ذلك :
ولا يريمون في التعريف موضعهم حتى يقال أفيضوا آل صفوانا
مجدا بناه لنا قدما أوائلنا وأورثوه طوال الدهر أخرانا
فأما الندوة والسقاية والحجابة فإن قصيا جعلها في ولده .
قال الزبير بن بكار: قسم قصي مكارمه بين ولده فأعطى عبد مناف السقاية والندوة وأعطى عبد الدار الحجابة واللواء وأعطى عبد العزى الرفادة وأعطى عبد بن قصي جلهة الوادي قال الزبير ثم اصطلحت قريش على أن ولي هاشم بن عبد مناف السقاية والرفادة وأقرت الحجابة في بني عبد الدار وقررها الإسلام لهم أعطى رسول الله عثمان بن طلحة مفتاح البيت وقال : " خذوها يا بني عبد الدار خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم " .
وقوله درء السيل أي هجومه وإقباله وفيه لغتان ضم الدال وفتحها قال الفراء يقال : سال الوادي درءا ودرءا إذا سال من مطر غير أرضه وسال الوادي ظهرا وظهرا إذا سال من مطر أرضه .
وقال غيره يقال : درأنا السيل أي جاء فجاءة .
وقوله يهيضه معناه يرده ويغلبه وأصل الهيض الكسر وأكثر ما يستعمل في كسر العظم الذي جبر ثم انكسر ثانيا فيقال : عظم مهيض وقد يستعمل في غير ذلك على التمثيل به .
وقوله يصدعه أي يشقه [ ص: 29 ] .
وفي هذا الحديث أن رسول الله قال لأبي بكر : "لقد وقعت يا أبا بكر من الأعرابي على باقعة" فقال أجل يا رسول الله فداك أبي وأمي ما من طامة إلا وفوقها طامة " .
فالطامة الداهية العظيمة وأصلها من قولك طم الماء إذا عظم وارتفع .
ومن هذا قولهم جاء فلان بالطم والرم فالطم الماء الكثير والرم ما يحمله الماء من قماش وغثاء ونحوه .
ويقال : بل الرم العظام البالية ويقال : جاء بالطم والرم بكسر الطاء فإذا أفردت الطم ولم تذكر بعد الرم فتحت الطاء فقلت جاء بالطم يا هذا .
والطمطام معظم ماء البحر وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "رأيت أبا طالب في ضحضاح من النار ولولا مكاني لكان في الطمطام" .


