وقال في حديث أبو سليمان أسامة أنه كان في سرية وأميرها غالب بن عبد الله وأنهم قد أحاطوا ليلا بالحاضر وفي الحاضر نعم أسامة فخرجت في إثر رجل منهم جعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه ولحمته بالسيف قال لا إله إلا الله فلم أغمد عنه سيفي حتى أوردته شعوب. وقد عطنوا مواشيهم فخرج إليهم الرجال فقاتلوا ساعة ثم ولوا قال
يرويه حدثني الواقدي عن أفلح بن سعيد بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد الذي أري الأذان.
الحاضر: الحي الحضور في المكان الذي اتخذوه دارا اسم جامع لهم كالحاج والسامر ونحو ذلك وربما جعلوه اسما للمكان المحضور فاعلا بمعنى مفعول يقال نزلنا حاضر بني فلان قال الشاعر:
لما نزلنا حاضر المدينة جاؤوا بعنز غثة سمينه
أنشدني أنشدني أبو عمر عن ثعلب قلت ابن الأعرابي لأبي المكارم كيف تكون العنز غثة سمينة قال أراد أنها كانت غثة مهزولة فرووها بالسمن [ ص: 289 ] وقوله: عطنوا مواشيهم أي آووها إلى مراحها.وقوله: يتهكم بي أي يتعرض لي، والتهكم: التعرض للشر والاقتحام فيه وقد يجرى أيضا مجرى السخرية يقال تهكم فلان بفلان أي تهزأ به.
ومنه حديث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال: خرجت في سرية أميرها أبو قتادة فلقينا العدو فجعل رجل يتهكم بنا وهو يقول الجنة الجنة فرميته على جريداء متنه ثم رميته بنبلي حتى قتلته.
يريد بقوله يتهكم يتهزأ بي ويسخر مني وجريداء المتن وسطه وهو موضع الفقار المتجرد عن اللحم.
وقوله: لحمته بالسيف أي أصبته به وهو من قولك لحمت الشيء إذا لأمته ويقال لحم الصائغ الفضة إذا لأمها ولاحمت الشيء بالشيء إذا ألصقته به فأما ألحمت بالألف فمعناه قتلت ويقال ألحمت القوم إذا قتلتهم حتى صاروا لحما ومنه الملاحم وهي الحروب التي يكثر فيها القتل واحدتها ملحمة.
وقوله: أوردته شعوب يريد المنية وشعوب لا تصرف لأنها معرفة وسميت شعوب لأنها المفرقة للشمل يقال شعبت بين الشيئين إذا فرقت بينهما قال الشاعر:
وإذا رأيت المرء يشعب أمره شعب العصى ويلج في العصيان [ ص: 290 ]
ويقال أيضا: شعبت بمعنى جمعت وأصلحت والحرف من الأضداد.
ومن هذا حديث أن طلحة بن عبيد الله شيبة بن مالك أقبل يوم أحد فقال دلوني على محمد قال طلحة: فأضرب عرقوب فرسه فاكتسعت به فما زلت واضعا رجلي على خده حتى أزرته شعوب [ ص: 291 ] .