الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه: أنه عاد سعدا فوصف له الوجيئة .

حدثناه ابن داسة نا أبو داود نا إسحاق بن إسماعيل نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه عاده فوضع يده بين ثدييه وقال: "إنك رجل مفئود فأت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه يتطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن ثم ليلدك بهن" .

قال أبو عبد الله بن منده: رواه إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه أنه وصف له الفريقة.

قوله: فليجأهن. الوجيئة: التمر يبل بلبن أو سمن حتى يلزم بعضه بعضا ويؤكل واللدود كل ما يوجره الإنسان من أحد شقيه ومنه قيل لجانبي الوادي اللديدان يقال لده لدا ولدودا والاسم اللداد ويجمع ألدة قال ابن أحمر:


شربت الشكاعى والتددت ألدة وأقبلت أفواه العروق المكاويا

والفريقة نحو من الوجيئة قال ذو الرمة [ ص: 196 ] :


ولقد وردت الماء لون جمامه     لون الفريقة صفيت للمدنف

وقوله: مفئود يريد أنه أصيب بداء في فؤاده يقال منه فئد الرجل إذا أصيب فؤاده وصدر إذا أصيب صدره ومنه المثل لا بد للمصدور من أن ينفث. ومثله جنب وبطن فهو مجنوب ومبطون قال الشاعر:


إذا ضربت موقرا فابطن له     بين قصيراه وبين الجله

وزعم بعضهم أن الفؤاد غشاء القلب وأن القلب حبته وسويداؤه وقال رسول الله صلى الله عليه: "أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة" .

فأما الحديث الآخر: أن فتى من الأنصار دخلته خشية من النار فحبسته في البيت حتى مات فقال النبي صلى الله عليه: "إن الفرق من النار فلذ كبده" .

فإنه يريد أن الخوف قد خلع كبده وقطعها والفلذة القطعة منها. ويقال فلذ له من العطاء أي قطع له قال الشاعر، وهو كثير:


إذا المال لم يوجب عليك عطاءه     صنيعة تقوى أو صديق توامقه
[ ص: 197 ] بخلت وبعض البخل حزم وقوة     ولم يفتلذك المال إلا حقائقه

ويروى يفتلتك:

يقال افتلت الشيء إذا أخذته فجاءة قال الشاعر:


فإن يفتلتها والخلافة تنفلت     بأكرم علقي منبر وسرير

ومن هذا حديثه الآخر: "أن امرأة أتته فقالت إن أمي افتلتت نفسها": أي أخذت نفسها فجاءة.

وأخبرني إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري نا ابن أبي قماش نا ابن عائشة قال كان رجل من قريش يقال له صبيرة يقوم على المجالس فيقول هل ترون بي بأسا إعجابا بنفسه فبينا هو كذلك إذ فجئه الموت أصح ما كان فقيل فيه:

من يأمن الحدثان بعـ     ـد صبيرة القرشي ماتا
سبقت منيته المشيـ     ـب وكان ميتته افتلاتا

قال العنبري: صبيرة وقال غيره: ضبيرة بالضاد المعجمة.

التالي السابق


الخدمات العلمية