الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أنه قال: "إن لهذا القرآن شرة ثم إن للناس عنه فترة فمن كانت فترته إلى القصد فنعما هو ومن كانت فترته إلى الإعراض فأولئكم بور"   [ ص: 199 ] .

أخبرناه محمد بن المكي أنا الصائغ نا سعيد بن منصور نا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة.

قوله: إن للقرآن شرة معناه إن للقارئ المبتدئ فيه رغبة ونشاطا ومنه شرة الشباب وهي ميعته ونشاطه قال الشاعر:


رأت غلاما قد صرى في فقرته ماء الشباب عنفوان شرته

والمعنى: مدح الاقتصاد في القراءة والأمر بالمواظبة عليه.

وقد ورد في الحث على الاقتصاد في العبادة أخبار منها قوله: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" .

وقوله صلى الله عليه: "خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يسأم حتى تسأموا" ومعناه لا يسأم إذا سئمتم كقول الشنفرى:


صليت مني هذيل بخرق     لا يمل الشر حتى يملوا

يريد أنه لا يمل إذا ملوا ولو أراد به النهاية لم يكن فيه مدح ولا له عليهم فضل.

وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه أن الله لا يسأم الثواب ما لم تسأموا العمل أي لا يترك الثواب ما لم تتركوا العمل ومثل العرب في هذا قولهم: القصد أنجى للسير. قال الأعشى [ ص: 200 ] :


إذا حاجة ولتك لا تستطيعها     فخذ طرفا من غيرها حين تسبق
فذلك أحرى أن تنال جسيمها     وللقصد أنجى في المسير وألحق

وقال مرار الفقعسي:


نقطع بالنزول الأرض عنا     وبعد الأرض يقطعه النزول

يقول إن إجمام المطية بالنزول معونة لها على السير عند الرحيل.

وقوله: فأولئكم بور يقال: رجل بائر أي هالك وقوم بور هلكى ويقال أيضا للواحد بور قال ابن الزبعرى:


يا رسول المليك إن لساني     راتق ما فتقت إذ أنا بور

والبوار: الكساد أيضا ومنه الحديث: "نعوذ بالله من بوار الأيم".

التالي السابق


الخدمات العلمية