الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث عمرو في قصة إسلامه أنه قال : أقبلت متوجها إلى المدينة على جمل لي فبينا أنا أسير ببعض الطريق إذا ببياض أنحاش منه مرة وينحاش مني أخرى فإذا أنا بأبي هريرة الدوسي فقلت : أين تريد ؟ قال : المدينة فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة قال عمرو : فأربت بأبي هريرة ولم تضررني إربة أربتها قط قبل يومئذ . قلت : أقدم أبا هريرة فيدخل فيجد رسول الله مشغولا فجئنا والصلاة قائمة فدخل أبو هريرة والناس ينظرون إليه في الصلاة فتشايره الناس وشهر وتأخرت أنا حتى صلى   .

يرويه الواقدي : حدثني عبد الله بن جعفر ، عن أبي عمير الطائي عن الزهري .

قوله : أنحاش منه هو أن يوجس منه خوفا فيتوقاه ويحذره قبل أن يتبينه ويعرفه والانحياش : الاكتراث للشيء . يقال : فلان لا ينحاش من شيء إذا لم يكترث . قال ذو الرمة يصف بيض النعام [ ص: 484 ] :


وبيضاء لا تنحاش منا وأمها إذا ما رأتنا زيل منا زويلها

وقوله : إربة أربتها : أي حيلة احتلتها . وأصل الإرب الدهاء والنكر .

يقال : فلان ذو إرب أي ذو دهاء والإرب أيضا العقل وهو الإربة .

ومن هذا قوله : غير أولي الإربة من الرجال أي غير ذوي العقل يريد الذين لم تستحكم عقولهم وقد يفسر أيضا غير ذي الحاجة .

والإرب أيضا : العضو والأرب مفتوحة الألف والراء الحاجة والوطر .

فأما قول عمر بن الخطاب للحارث بن أوس : أربت من يديك فقد ذكره أبو عبيد في كتابه وفسره فقال : معناه سقطت آرابك من اليدين خاصة ، وكذلك قاله ابن قتيبة .

وفيه قولان آخران : قال أبو حاتم : معناه شلت يداه . وقال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي : معناه أن يسأل الناس بهما كأنه يذهب إلى معنى الاحتيال والتكسب بهما فيكون مرجعه على هذا التأويل إلى الإرب الذي هو الدهاء على ما ذكرته لك أولا .

وقوله : فتشايره الناس أي اشتهروه بأبصارهم وأصله من الشارة وهي الهيئة واللباس الحسن [ ص: 485 ] .

يقال : رأيت على فلان شارة حسنة ورجل صير شير أي ذو صورة وشارة حسنة .

قال أبو سليمان : والثبت أن عمرا قد تقدم إسلامه إسلام أبي هريرة [أسلم أبو هريرة] سنة سبع ، قدم المدينة ورسول الله بخيبر ، وأسلم عمرو وخالد بن الوليد سنة ست " .

التالي السابق


الخدمات العلمية