وقال في حديث أبو سليمان عروة بن مسعود أنه لما اتصل به خبر في مخرجه إلى المغيرة بن شعبة المقوقس في ركب من قومه وأنه في منصرفه عدا عليهم فقتلهم وأخذ حرائبهم ، قال : والله ما كلمت مسعود بن عمرو منذ عشر سنين والليلة أكلمه فخرج إليه فناداه عروة فقال : من هذا ؟ فقال : عروة . فأقبل مسعود بن عمرو وهو يقول : أطرقت عراهيه أم طرقت بداهيه .
وفي هذه القصة أن مسعود بن عمرو قال لقومه : والله لكأني بكنانة بن عبد ياليل قد أقبل تضرب درعه روحتي رجليه ولا يعانق رجلا إلا صرعه ، والله لكأني بجندب بن عمرو قد أقبل كالسيد عاضا على سهم مفوقا بآخر لا يشير بسهمه إلى أحد إلا وضعه حيث يريد .
يرويه حدثني الواقدي ، أسامة بن زيد الليثي ، وعبد الحميد بن جعفر وغيرهما ، عن . عاصم بن عمر بن قتادة
الحرائب : جمع حريبة : وهي مال الرجل الذي يعيش به .
وأما قوله : أطرقت عراهيه فإنه حرف مشكل وقد أكثرت عنه السؤال ولم أصدر منه بعد ، عن صحة يقين فكتبت في ذلك إلى الأزهري [ ص: 554 ] فكان من جوابه : أنه لم يجد عراهية مستعملا في كلام العرب وأن الصواب عنده أن يكون عتاهية قال : وللعتاهية وجهان : أحدهما الغفلة والآخر الدهش كأنه قال : أطرقت غفلة بلا روية أو طرقت دهشا أو نحو ذلك قال : ومنه قولهم : رجل معتوه .
وقال يقال : فيه عتاهيه وعتاهيه . أبو عمر :
قال وعلى هذا فقد لاح لي فيه شيء وأنا ذاكره والله أعلم بصوابه ، وذلك أن تكون هذه الكلمة مركبة غير مفردة وأن يكون فيها اسمان ظاهر ومكني ، وقد أبدل منها حرفا فأصلها إما العراء ممدودا وهو وجه الأرض . قال الله تعالى : أبو سليمان : فنبذناه بالعراء وهو سقيم .
وأما العرى مقصورا فهو الناحية يقال : فلان لا يطور بحرانا ولا يطور بعرانا أي لا يقرب ناحيتنا فكأنه قال : أطرقت عرائي أي فنائي زائرا وضيفا كما يطرق الزوار والأضياف أم أصابتك داهية فجئت مستنجدا ومستغيثا ، والهاء الأولى من قوله : عراهيه مبدلة من الهمزة كقولهم : أرقت الماء وهرقته ، والثانية مزيدة لتبين حركة الياء قبلها ، وهي لغة مشهورة ، وبها نزل القرآن ، وهو قوله تعالى : يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه .
ووجه آخر : وهو أن يقول : عراهية بتشديد الراء من عروت الرجل أعروه عروا إذا زرته فأنا عار وعراء قال النابغة [ ص: 555 ] :
أتيتك عاريا خلقا ثيابي على خوف تظن بي الظنون
وقوله : تضرب درعه روحتي رجليه فإنه من الروح وهو أن يتباعد صدور القدمين ويتدانى العقبان .يقال : رجل أروح وامرأة روحاء وقد روحت رجله تروح روحا فإذا أفرط الروح في الرجلين حتى تصطك العرقوبان فهو العقل ، وأنشد يعقوب للجعدي :
مفروشة الرجل فرشا لم يكن عقلا .
يريد إقباله في درع سابغة تبلغ ذلك الموضع من رجله والسيد الذئب .
وفي قصة عروة بن مسعود أنه لما أسلم وانصرف إلى قومه قدم عشاء فدخل منزله فأنكر قومه دخوله منزله قبل أن يأتي الربة يعنون الصنم .
ثم قالوا : السفر وخضده فجاؤوا منزله فحيوه تحية الشرك فقال : عليكم بتحية أهل الجنة السلام .
يرويه حدثني الواقدي ، محمد بن يعقوب بن عتبة ، عن أبيه [ ص: 556 ] يريد : تعب السفر ، وأصل الخضد كسر الشيء اللين من غير إبانة له ، يقال : خضدت العود إذا ثنيته فهو خضيد ومخضود ، وانخضد العود انخضادا . والخضد كل ما قطع من العيدان رطبا ، قال النابغة :
فيه ركام من الينبوت والخضد
[ ص: 557 ]