وقال أبو سليمان في حديث قيس أنه قال لبنيه : إياكم والمسألة فإنها آخر كسب المرء ، وإذا مت فغيبوا قبري من بكر بن وائل ، فإني كنت أناوشهم ، أو قال : أهاوشهم في الجاهلية .
أخبرناه محمد بن هاشم ، نا الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة .
قوله : إن المسألة آخر كسب المرء : يتأول على وجهين : أحدهما أن يكون معناه اجعلوا المسألة آخر كسبكم أي ما دمتم تقدرون على معيشة ، وإن دقت فلا تسألوا الناس ولا تتخذوا المسألة كسبا . وهذا كما روي عن عمر أنه قال : مكسبة فيها بعض الريبة خير من المسألة .
والوجه الآخر : أن يكون ذلك على مذهب الإخبار يريد أن من اعتاد المسألة واتخذها كسبا لم ينزع عنها ، وهذا أشبه الوجهين لأن هشيما روى في هذه القصة ، عن زياد بن أبي زياد ، عن الحسن ، عن قيس بن عاصم أنه قال إن أحدا لا يسأل الناس إلا ترك كسبه .
وقوله : كنت أناوشهم : معناه أقاتلهم . يقال : تناوش القوم إذا تناول [ ص: 561 ] بعضهم بعضا في القتال . ومن هذا قول الله تعالى : وأنى لهم التناوش من مكان بعيد أي تناول التوبة ، وأنشد الفراء :
فهي تنوش الحوض نوشا من علا .
فأما التناؤش مهموزا فمعناه التأخر ، وقد قرئ " وأنى لهم التناؤش " بالهمز أي التأخر والرجوع ، وأنشدوا :
تمنى أن تؤوب إلي مي وليس إلى تناؤشها سبيل
وقوله : أهاوشهم الأصل في الهوش الفساد والاختلاط ومنه هوشات السوق . وقال بعض أهل اللغة في قول العامة : شوشت على الرجل أمره إنما هو هوشت أي خلطت وأفسدت ، والعرب تقول : جاءوا بالهوش والبوش أي بالجمع الكثير المختلف . قال ومنه الحديث : " من جمع مالا من تهاوش أذهبه الله في نهابر " أي في هلاك .قال : وأصحاب الحديث يقولون : من نهاوش وإنما هو تهاوش بالتاء [ ص: 562 ]


