الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حديث أم سلمة رحمها الله .

وقال أبو سليمان في حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه خطبها فقالت : أنا مصبية مؤتمة ، فتزوجها فكان يأتيها وهي ترضع زينب فيرجع ففطن لها عمار ، وكان أخاها من الرضاعة فدخل عليها فانتشط زينب من حجرها . وفي غير هذه الرواية : فاجتحفها وقال : دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي قد آذيت رسول الله بها   .

من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن ابن عمر ، عن أبي سلمة ، عن أبيه .

قولها : مصبية مؤتمة : أي ذات صبيان أيتام ، وكانت تحت أبي سلمة فتوفي عنها .

وقوله : فانتشط زينب : أي اجتذبها من حجرها ومنه نشط الدلو من البئر وهو جذبها إذا نزحت الماء .

ويقال : بئر نشطة : إذا كانت قريبة تخرج الدلو منها بجذبة واحدة وبئر أنشاط إذا كانت بعيدة القعر .

وقوله : اجتحفها : أي استلبها من حجرها . يقال : جحفت الكرة واجتحفتها من وجه الأرض .

ورواه الحسن بن علي الحلواني ، عن عبد الرزاق وأبي عاصم عن ابن [ ص: 591 ] جريج : فاجتلحها ، قال : ثم شك أبو عاصم فقال : فاختلجها .

وفي المشقوحة قولان : أحدهما أنه إتباع ، كقولك : حسن بسن وعطشان نطشان ، يقال : فلان قبيح شقيح ، وقبحا له وشقحا ، وقبحا له وشقحا وأقبح به وأشقح . قال الراجز :


أقبح به من ولد وأشقح مثل جري الكلب لا بل أقبح

ويروى لم يفقح .

والإتباع في كلامهم على ضربين : أحدهما أن يقال : بغير واو كما يقال : حسن بسن ، وحار بار ، وكثير بثير ، وضال ثال .

والوجه الآخر : أن يفصل بين الكلمتين بواو كقولهم : جوعا له ونوعا ، وقبحا له وشقحا ، وما له عافطة ولا نافطة ، وما له حم ولا رم ، أي ما له شيء .

والقول الآخر في المشقوحة : أن يكون من سوء اللون وتغيره .

قال أبو زيد : قولهم : شقيح هو المتغير اللون من قولك : شقح البسر إذا تغير عن الخضرة .

وروى الواقدي بإسناد له : أن حيي بن أخطب لما جيء به إلى [ ص: 592 ] رسول الله صلى الله عليه جاءوا به مجموعة يده إلى عنقه عليه حلة شقحية قد لبسها للقتل فقال له رسول الله صلى الله عليه حين طلع : " ألم يمكن الله منك ؟ " . قال : بلى ولقد قلقلت كل مقلقل ، ولكن من يخذل الله يخذل .

فيقال : إنه أراد حلة حمراء ، وقد روي من طريق آخر أنه أتي به في حلة حمراء ، ويقال : بل أراد حلة لونها لون البسر إذا تغير عن الخضرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية