الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
315 - قال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف"   [ ص: 641 ] .

................................. [ ص: 642 ] .

وبعضهم يرويه: "فاقرؤوا كما علمتم ".

قال: حدثناه "هشيم" و"يحيى بن سعيد" عن "حميد" عن "أنس" عن "أبي بن كعب" عن "النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال: وحدثني "ابن مهدي" عن "مالك بن أنس" عن "الزهري" عن "عروة" عن "عبد الرحمن بن عبد [القاري] " عن "عمر" عن "النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال "أبو عبيد ": قوله: "سبعة أحرف"  يعني: سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه: هذا لم يسمع به قط.

ولكن يقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن:

فبعضه نزل بلغة "قريش "، [ ص: 643 ] وبعضه بلغة "هوازن "، وبعضه بلغة "هذيل "، وبعضه بلغة "أهل اليمن ".

وكذلك سائر اللغات.

ومعانيها في هذا كله واحدة.

ومما يبين لك ذلك قول "ابن مسعود ".

قال: حدثني "أبو معاوية" عن "الأعمش" عن "أبي وائل" عن "عبد الله" قال: "إني قد سمعت القرأة، فوجدتهم متقاربين، فاقرؤوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال" [ ص: 644 ] .

وكذلك قال "ابن سيرين ": "إنما هو كقولك: هلم، وتعال، وأقبل "، ثم فسره "ابن سيرين" فقال في قراءة "ابن مسعود ": "إن كانت إلا زقية واحدة" وفي قراءتنا " إن كانت إلا صيحة واحدة .

والمعنى فيهما واحد.

وعلى هذا سائر اللغات.

وقد روي في حديث خلاف هذا.

من حديث "الليث بن سعد" عن "عقيل" عن "ابن شهاب" عن "سلمة بن أبي سلمة" عن "أبيه" يرفعه، قال:

"نزل القرآن على سبعة أحرف: حلال، وحرام، وأمر، ونهي، [ ص: 645 ] وخبر ما كان قبلكم، وخبر ما هو كائن بعدكم، وضرب الأمثال ".

قال "أبو عبيد ": ولسنا ندري ما وجه هذا الحديث؛ لأنه شاذ غير مسند، والأحاديث المسندة المثبتة ترده.

ألا ترى أن في حديث " عمر" الذي ذكرناه في أوله [ ص: 646 ] أنه قال: "سمعت "هشام بن حكيم بن حزام" يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها - وقد كان "النبي" - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها.

فأتيت به "النبي" - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته.

فقال له: اقرأ. فقرأ تلك القراءة، فقال: "هكذا أنزلت ".

ثم قال لي: اقرأ، فقرأت قراءتي. فقال: "هكذا أنزلت ".

ثم قال: إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر ".  

وكذلك حديث "أبي بن كعب" هو مثل حديث "عمر" أو "نحوه ".

فهذا يبين لك أن الاختلاف إنما هو في اللفظ، والمعنى واحد [ ص: 647 ] .

ولو كان الاختلاف في الحلال والحرام لما جاز أن يقال في شيء هو حرام هكذا نزل ثم يقول آخر في ذلك بعينه: إنه حلال، فيقول: هكذا نزل.

وكذلك الأمر والنهي.

وكذلك الأخبار: لا يجوز أن يقال في خبر قد مضى إنه كان كذا وكذا، فيقول: هكذا نزل.

ثم يقول آخر بخلاف ذلك الخبر، فيقول: هكذا نزل.

وكذلك الخبر المستأنف، كخبر القيامة، والجنة، والنار.

ومن توهم أن في هذا شيئا من الاختلاف، فقد زعم أن القرآن يكذب بعضه بعضا، ويتناقض.

فليس يكون المعنى في السبعة الأحرف إلا على اللغات لا غير. بمعنى واحد لا يختلف فيه في حلال، ولا حرام، ولا خبر، ولا غير ذلك [ ص: 648 ] .

قال "أبو عبيد ": إلا أنه في بعض الحديث: "نزل القرآن على خمسة" وليس فيه ذكر أحرف [ ص: 649 ] .

فهذا [قول] قد يحتمل المعنى الذي في حديث الليث.

التالي السابق


الخدمات العلمية