الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
485 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب، أو ظلمة، أو هبوة، فأكملوا العدة، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا، ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان" حدثنا "أبو عبيد" قال: حدثنا [ ص: 345 ] "ابن أبي عدي" عن "حاتم بن أبي صغيرة" عن "سماك بن حرب" عن "عكرمة" عن "ابن عباس" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :

قوله: الهبوة: يعني الغبرة تحول دون رؤية الهلال، وكل غبرة هبوة.

ويقال لدقاق التراب إذا ارتفع قد هبا يهبو هبوا، فهو هاب.

وكان "الكسائي" ينشد هذه الأبيات، قال "الكسائي": أنشدني أشياخ من بني تميم يروونها عن أشياخهم عن "هوبر الحارثي":


ألا هل أتى التيم بن عبد مناة على الشيء فيما بيننا ابن تميم

    بمصرعنا النعمان يوم تألبت
علينا تميم من شطا وصميم

    تزود منا بين أذناه ضربة
دعته إلى هابي التراب عقيم

فقال: هابي [التراب] يعني ما ارتفع من التراب، ودق [ ص: 346 ] .

وقوله: بين أذناه: هي لغة "بلحارث بن كعب" يقولون: رأيت رجلان.

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تستقبلوا الشهر استقبالا":  يقول; لا تقدموا رمضان بصيام قبله، وهو قوله: "ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان".  

قال: وسمعت "محمد بن الحسن" يقول في هذا: إنما كره التقدم قبل رمضان إذا كان يراد به رمضان، فأما إذا كان يراد به التطوع فلا بأس به.

قال "أبو عبيد": وبيان هذا في حديث مرفوع.

حدثنا "أبو عبيد" قال: حدثناه "إسماعيل بن جعفر" و"يزيد بن هارون" عن محمد بن عمرو" عن "أبي سلمة" عن "أبي هريرة" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [ ص: 347 ] :

"لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فصوموا ثلاثين [يوما] ثم أفطروا".  

وفي هذا الحديث من الفقه قوله: "فإن غم عليكم" فعدوا ثلاثين، فجعله لا يجزئهم على غير رؤية أقل من ثلاثين.  

وفي هذا ما يبين لك أنه لا يجزئ في شيء تسعة وعشرون إلا أن يكون ذلك على الرؤية.

وكذلك لو كان على رجل صوم شهر في نذر أو كفارة، فصام مع الرؤية وأفطر معها، وكان الشهر تسعا وعشرين أجزأه،  وإن اعترض الشهر لم يجزه أقل من ثلاثين، فهذا وما أشبهه على ذا.

فحديث "أبي هريرة" أصل لكل شيء من هذا الباب [ ص: 348 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية