الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
530 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تنكح المرأة لميسمها ، ولمالها ، ولحسبها ، عليك بذات الدين تربت يداك "   [ ص: 43 ] .

حدثنا أبو عبيد : قال : حدثناه ابن علية ، عن عبيد الله بن العيزار ، عن طلق بن حبيب رفعه .

[قال أبو عبيد ] : أما قوله "لميسمها " فإنه الحسن ، وهو الوسامة ومنه قيل : رجل وسيم وامرأة وسيمة .

وأما قوله : "تربت يداك "  فإن أصله أن يقال للرجل إذا قل ماله : قد ترب ، أي : افتقر ، حتى لصق بالتراب ، وقال الله - تبارك وتعالى - : أو مسكينا ذا متربة فيرون - والله أعلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتعمد الدعاء عليه بالفقر ، ولكن هذه كلمة جارية على ألسنة العرب يقولونها وهم لا يريدون وقوع الأمر [ ص: 44 ] .

وهذا كقوله [صلى الله عليه وسلم ] لصفية بنت حيي حين قيل له يوم النفر : إنها حائض . فقال : عقرى حلقى ما أراها إلا حابستنا " فأصل هذا معناه : عقرها الله وحلقها . فقوله : عقرها يعني عقر جسدها ، وحلقها أي أصابها الله بوجع في حلقها . هذا كما تقول : قد رأس فلان فلانا : إذا ضرب رأسه ، وصدره : إذا أصاب صدره ، وكذلك حلقه : إذا أصاب حلقه .

قال أبو عبيد : إنما هو عندي عقرا حلقا . قال : وأصحاب الحديث يقولون : عقرى حلقى وقال بعض الناس : بل أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 45 ] بقوله : "تربت يداك "  نزول الأمر به عقوبة لتعديه ذوات الدين إلى ذوات المال والجمال . واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم : "اللهم إنما أنا بشر ، فمن دعوت عليه بدعوة ، فاجعل دعوتي عليه رحمة له " .  والقول الأول أعجب إلي وأشبه بكلام العرب ، ألا تراهم يقولون : لا أرض لك ولا أم لك ، وهم قد يعلمون أن له أرضا وأما ، وزعم بعض العلماء أن قولهم : لا أبا لك ولا أب لك : مدح ، ولا أم لك : ذم .

قال أبو عبيد : وقد وجدنا قوله لا أم لك قد وضع في موضع المدح أيضا قال كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه :


هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا وماذا يؤدي الليل حين يؤوب [ ص: 46 ]

وقد قال بعض الناس : إن قوله : تربت يداك ،  يريد به استغنت يداك من الغنى . وهذا خطأ لا يجوز في الكلام . إنما ذهب إلى المترب وهو الغني فغلط ، ولو أراد هذا لقال : أتربت يداك ؛ لأنه يقال : أترب الرجل : إذا كثر ماله ، فهو مترب . وإذا أرادوا الفقر ، قالوا : ترب بترب .

التالي السابق


الخدمات العلمية