الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
548 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر " مكة " . فقال : "لا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد "   [ ص: 95 ] .

حدثنا أبو عبيد : قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين من بني نوفل بن عبد مناف .

ويزيد بن هارون ، عن سليمان التيمي ، عن رجل .

قال : وحدثناه غير واحد .

قال أبو عبيد : فسألت عبد الرحمن بن مهدي عن قوله : "لا تحل لقطتها إلا لمنشد " .  

فقال : إنما معناه لا تحل لقطتها ، كأنه يريد البتة ، فقيل له : إلا لمنشد ، فقال : إلا لمنشد ، وهو يريد المعنى الأول [ ص: 96 ] .

قال أبو عبيد : ومذهب عبد الرحمن في هذا التفسير كالرجل يقول : والله لا فعلت كذا وكذا ثم يقول : إن شاء الله وهو لا يريد الرجوع عن يمينه ، ولكنه لقن شيئا فلقنه .

فمعناه : أنه ليس يحل للملتقط منها إلا إنشادها ، فأما الانتفاع بها فلا .

وقال غيره : لا تحل لقطتها إلا لمنشد ، يعني طالبها الذي يطلبها ، وهو ربها . يقول : فليست تحل إلا لربها .

قال أبو عبيد : فهذا حسن في المعنى ، ولكنه لا يجوز في العربية أن يقال للطالب منشد ، إنما المنشد المعرف ، والطالب هو الناشد .

يقال منه : نشدت الضالة أنشدها نشدانا : إذا طلبتها ، فأنا ناشد ، ومن التعريف : أنشدتها إنشادا ، فأنا منشد .

ومما لك أن الناشد هو الطالب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 97 ] .

أنه سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد ،  فقال : أيها الناشد غيرك الواجد . معناه لا وجدت ، كأنه دعا عليه .

وأما قول أبي دؤاد الإيادي وهو يصف الثور ، فقال :


ويصيخ أحيانا كما اسـ ـتمع المضل لصوت ناشد

قال أبو عبيد : فإن الأصمعي أخبرني عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يعجب من هذا .

وأحسبه قال - هو أو غيره - : إنه أراد بالناشد أيضا : رجلا قد ضلت دابته ، فهو ينشدها : يطلبها ليتعزى بذلك .

وفي هذا الحديث قول ثالث . أنه أراد بقوله : إلا لمنشد : أنه إن لم ينشدها ، فلا يحل له الانتفاع بها ، فإذا أنشدها ، فلم يجد طالبها حلت له .

قال أبو عبيد : ولو كان هذا هكذا لما كانت " مكة " مخصوصة بشيء دون البلاد لأن الأرض كلها لا تحل لقطتها إلا بعد الإنشاد ، إن حلت أيضا ، وفي الناس من لا يستحلها . وليس للحديث عندي وجه إلا ما قال "عبد الرحمن " : إنه ليس [ ص: 98 ] لواجدها منها شيء إلا الإنشاد أبدا ، وإلا فلا يحل له أن يمسها [ ص: 99 ] [ ص: 100 ] [ ص: 101 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية