الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              باب: لج .

                              حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، أن سفينة، حدث، عن أم سلمة: أنه كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم"، حتى جعل يلجلجها، وما يفيض بها لسانه "   .

                              حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، بلغ عليا أن طلحة، يقول: "بايعت، واللج على قفاي" .

                              حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا أبو اليمان، عن شعيب، عن الزهري، حدثني عمرو بن شعيب، أن عبد الله بن عمرو قال: "جلس رهط قريبا من باب حجرة النبي صلى الله عليه، فتجادلوا، ولج بهم المراء" .

                              حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا يحيى بن بريدة، عن أبيه، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال [ ص: 132 ] : "لما قدموا من الحبشة، فكانوا في لجة البحر سمعوا صوتا، فذكر من عطش نفسة ماء" .

                              حدثنا هارون بن معروف، حدثنا وهب، أخبرني حيوة، سمع يزيد بن خمير، عن عقبة بن مسلم، عن شيخ: سمعنا كعبا، يقول: "من دخل في ديوان المسلمين، ثم تلجأ منهم، فقد خرج من قبة الإسلام" .

                              حدثنا أحمد بن حجاج، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا معمر، عن إسحاق بن راشد، عن عمرو بن وابصة، عن أبيه قال: إني لبالكوفة في داري، إذ سمعت على، باب داري: " سلام عليكم، ألج؟ فقلت: وعليك السلام، فلج. فدخل ابن مسعود " .

                              حدثنا يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن صالح، حدثني معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه [ ص: 133 ] : "من استلجج في أهله بيمين، فهو أعظم إثما، ليس تغني الكفارة" .

                              حدثنا محمد بن سهل، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، سمعت أبا هريرة، يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه: "إذا استلجج أحدكم باليمين في أهله، فإنه آثم، له عند الله من الكفارة التي أمره بها" أخبرنا أبو نصر، عن الأصمعي: اللجلاج الذي يردد الكلمة، فلا يخرجها من ثقل لسانه قال:


                              فلم تلفني فها ولم تلف حجتي ملجلجة أبغي لها من يقيمها



                              [ ص: 134 ] وقال آخر:


                              يلجلج مضغة فيها أنيض     أصلت فهي تحت الكشح داء



                              قوله: "واللج على قفاي" : هو اسم من أسماء السيف، يسمى المخذم، والعاصب، والمصمم، والمنصل، والهذام: القاطع، والمهو: الرقيق، والمخضل: القطاع، والمطبق: الذي يصيب المفاصل قوله: "ولج بهم المراء" : لج يلج لجاجا، وهو التمادي قال الشماخ:


                              ألا لا تذكره على النأي إنه     متى ما تذكره على النأي يلجج



                              قوله: فكانوا في لجة البحر، لجته: حيث لا يرى طرفاه قال الله تعالى: في بحر لجي [ ص: 135 ] أخبرنا الأثرم عن أبي عبيدة: بحر لجي مضاف إلى اللجة، وهي معظم البحر أخبرنا سلمة، عن الفراء: بحر لجي، ولجي: بكسر اللام وضمها. وأنشدنا أبو نصر:


                              ومخدر الأبصار أخدري     لج كأن ثنيه مثني



                              وصف الليل فقال: مخدر، أراد ليلا مظلما، أخدري: من الخدر، يقال: عقاب خدارية، أي سوداء. ولج، يعني: الليل كأنه لجة من ظلمته، قد ثني: صار له طريقتان قوله: "من تلجأ منهم"، يقول: صار إلى غيرهم، لجأ فلان إلى فلان، لجأ وملجأ قوله: "أألج" ؟ والولوج: الدخول، ولج يلج أخبرنا أبو نصر، عن الأصمعي: الولجة: موضع من الرمل، يضيق، ثم ينفتح [ ص: 136 ] أخبرنا عمرو، عن أبيه: الوالجة: الدبيلة، يقال: هو مولوج قال الأحمر بن شجاع:


                              كأن هاديه مما تفثجه     إذا تكلم في الإدلاج مولوج



                              قال أبو زيد: ألج القوم إلجاجا إذا ارتفعت أصواتهم، والاسم اللجة وسمعت أبا نصر قال: اللجة: اختلاط الصوت. وأنشدنا:


                              تدافع الشيب ولم تقتل     في لجة أمسك فلانا عن فل



                              تدافع الشيب ولم تقتل: وصف إبلا عطاشا وردت حوضا، يشبه ازدحامها على الماء بتدافع شيوخ - وهم الشيب - ولم تقتل - من القتال -، والأصل تقتتل، يقول: ولم يبلغوا القتال، إنما كان تدافع، يقول: فهذه الإبل استقلت بشرب الماء من عطشها، فسمعت أصوات هذه الإبل، كأصوات شيوخ تقول: أمسك فلانا عن فل، وجعلهم شيوخا، لأن الشباب فيهم تسرع. واللجة: اختلاط الصوت [ ص: 137 ] وقال أبو زيد: أهل الحجاز يقولون: لا توجل، وتميم، وقيس: لا تيجل، إذا لم يستيقنوا الخبر قال الله: إنا منكم وجلون أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: وجلون خائفون قالوا لا توجل . ويقال: لا تيجل، ولا تاجل بغير همز. ولا تأجل: بهمز، يجتلبون فيها الهمزة. وكذلك ما كان من جنس وجل يوجل، ووحل يوحل، ووسخ يوسخ أخبرنا أبو عمر، عن الكسائي: وجلون ولو قال: واجلون على وجه الفعل كان صوابا وقوله: "إذا استلجج أحدكم" من اللجاج، وهو تكرير اليمين، وتوكيدها، والإقامة عليها، كما قال حجية بن مضرب:


                              لججنا ولجت هذه في التجنب     بشد اللثام دوننا والتنقب



                              وأنشدنا أبو نصر:

                              [ ص: 138 ]

                              فقد لججنا في هواك لججا

                              وأنشد ابن الأعرابي لرجل من طيئ:


                              قالت: بعيش أخي، ونعمة والدي     لأنبهن الحي إن لم تخرج
                              فخرجت خيفة قولها فتبسمت     فعلمت أن يمينها لم تلجج
                              فلثمت فاها قابضا بقرونها     شرب الحمي ببرد ماء الحشرج



                              يقول: فإذا كانت يمينه على لجاج، وتأكيد، وغير استثناء، فعليه إثم عظيم، وليس تغني الكفارة عنه، من الإثم الذي أصابه وإنما الكفارة على الذي على غير تأكيد ولا لجاج، ويندم فيفعل ويكفر. وكذلك حديث معمر: "هي آثم له عند الله من الكفارة التي أمره بها" ألا ترى قوله: فعلمت أن يمينها لم تلجج، يقول: لم تخرج على تأكيد، وعقد، ولجاج، وإنما حلفت على جهة اللغو والمزح أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي قال: اللجوج: الريح تكون في كل زمان. وأكثر ما تكون إذا ولى القيظ، والريح اللجوج: الدائمة الهبوب، والريح الجيلان: التي تجيل الحصى، وتديره، وقال: [ ص: 139 ]


                              وما العفو إلا لامرئ ذي حفيظة     متى تعف عن ذنب امرئ السوء يلجج



                              وقال الفراء: وقعوا في إيتلاج أي: اختلاط قال أبو زيد: ارتثأ عليهم أمرهم، أي: اختلط وقال الأصمعي: ارتجن أمرهم. ويقال: غيق في رأيه: إذا اختلط وذهب في أمره وروى عمرو، عن أبيه قال: المستجال: الذاهب العقل قال أمية بن عائذ الهذلي:


                              فصاح بتعشيره وانتحى     جوائلها وهو كالمستجال



                              وصف حمارا معه أتن، فصاح بتعشيره: ردده عشرا، وكذا يفعل كثيرا [ ص: 140 ] قال:


                              لعمري، لئن عشرت من خيفة الردى     نهيق الحمار إنني لجزوع



                              وانتحى: اعتمد، جوائلها: ما جال منها، فلم يعلق، فهو كالمستجال من الهياج والغيرة، كالذاهب العقل .

                              [ ص: 141 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية