الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              الحديث العشرون:

                              باب: نحب .

                              حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي، حدثنا معن، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه لأبي بكر في المناحبة، "هلا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع"   .

                              حدثنا محمد بن بكار، حدثنا عبد الحميد بن بهرام، حدثنا شهر، حدثني ابن غنم، عن حديث الحارث بن عميرة، أن معاذا، لما قضى نحبه انطلق الحارث إلى أبي الدرداء، فقال: إن معاذا أوصى بي إليك .

                              حدثنا يوسف بن بهلول، حدثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، أن الأسود بن المطلب، سمع باكية، من الليل فقال لغلامه: انظر هل أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ .

                              [ ص: 395 ] حدثنا عثمان، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان بالسوق فنعي إليه حجر، فأطلق حبوته، وقام، وغلبه النحيب قوله في المناحبة: ناحبته: حاكمته، وقاضيته  وذلك لما كان أبو بكر راهن قريشا وقاضاهم، وتجاعلوا جعلا على ظهور الروم على فارس، ولذلك حديث يطول قوله: لما قضى نحبه:  حدثنا علي، أخبرنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد، قال: مات على العهد .

                              أخبرنا أبو عمر، عن الكسائي: فمنهم من قضى نحبه قال: "أجله" .

                              أخبرنا سلمة، عن الفراء فمنهم من قضى نحبه قال: "أجله"   .

                              أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: " فمنهم من قضى نحبه النحب: النفس أي الموت " [ ص: 396 ] وقال أبو نصر النحب: الموت، وهو الأجل والنحب: النذر، والنحب: الاجتهاد في السير  قال لبيد:


                              ألا تسألان المرء ماذا يحاول؟ أنحب فيقضى أم ضلال وباطل؟



                              وفيه وجه آخر:

                              حدثنا نصر بن علي، عن حباب بن عبيد الله، عن أبي مصلح، عن الضحاك: فمنهم من قضى نحبه قال: "النذر" وحدثنا أبو بكر، حدثنا أبو أسامة، عن عبد الله بن الكهف، عن أبيه قال: نحبه: نذره قال:

                              قضت نحبها من نيزك فاستمرت [ ص: 397 ] أخبرنا عمرو، عن أبيه يقال: قضى نحبه من هذا الأمر، أي قضى منه وطرا قوله: هل أحل النحب؟  وذلك أن قريشا فيما .

                              حدثنا يوسف بن بهلول، عن ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، أن قريشا لما رجعت من بدر ناحت على قتلاها، ثم قالوا: لا تبكوا على قتلاكم فيشمت بكم محمد وأصحابه، ولا ترسلوا في فدائهم فيأرب عليكم، وكان الأسود بن المطلب أصيب له ثلاثة بنين: زمعة أبو حكيمة، والحارث، وعقيل، فكان يحب أن يبكي عليهم، فبينا هو ذات ليلة إذ سمع باكية تبكي، فقال لغلامه: انظر هل أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة، فإن جوفي قد احترق، فرجع إليه الغلام، فقال: إنما هي امرأة أضلت بعيرا لها، فأنشأ يقول:


                              أتبكي أن يضل لها بعير     ويمنعها من النوم السهود



                              السهود: يعني السهر

                              فلا تبكي على بكر ولكن     على بدر تصاغرت الجدود
                              على بدر سراة بني هصيص     ومخزوم ورهط أبي الوليد
                              وبكي إن بكيت على عقيل     وبكي حارثا أسد الأسود
                              وبكيهم ولا تسمي جميعا     وما لأبي حكيمة من نديد
                              ألا قد ساد بعدهم رجال     ولولا يوم بدر لم يسودوا

                              .

                              [ ص: 398 ] أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: فمنهم من قضى نحبه : الذي كان نحب أي نذر وجعله جرير الخطر العظيم قال:


                              بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا     عشية بسطام جرين على نحب



                              أي على خطر عظيم ومنه التنحيب، قال الفرزدق:


                              وإذ نحبت كلب على الناس أنهم     أحق بتاج الماجد المتكرم



                              وقال آخر:

                              قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر يريد نفسه، ويقال: نحب في سيره يومه أجمع وليلته فلم ينزل، قال:


                              وإني والهجاء لآل لأم     كذات النحب توفي بالنذور

                              .

                              [ ص: 399 ] قوله: وغلبه النحيب،  وهو ما طول من البكاء ومدد أخبرنا عمرو، عن أبيه يقال: يوم نحب، إذا كان يوم قر، وقال أبو نصر: الانتحاب: النفس الشديد، يقلعه من جوفه وأنشد:


                              فكف من غربه والغضف يسمعها     خلف السبيب من الإجهاد ينتحب



                              وصف ثورا طلبته الكلاب لتصيده، فكف الثور من غربه، يعني من جده ونشاطه، والغضف: الكلاب، يسمعها الثور خلف السبيب: المذنب، ينتحب: يتنفس .

                              [ ص: 400 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية