فإنهم لما استحلوا العمل به واحتجوا بقياس فاسد ، فقالوا : إذا فسخ العشرة التي اشترى بها إلى شهر في خمسة عشر إلى شهرين ، فهو كما لو باع بخمسة عشر إلى شهرين ، فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم ، فقال : ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا أي : ليس البيع مثل الربا ، فهذه محدثة أخذوا بها مستندين إلى رأي فاسد ، فكان من جملة المحدثات ، كسائر ما أحدثوا في البيوع الجارية بينهم المبنية على الخطر والغرر .
وكانت الجاهلية قد شرعت أيضا أشياء في الأموال كالحظوظ التي كانوا يخرجونها للأمير من الغنيمة ، حتى قال شاعرهم :
لك المرباع فيها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
فالمرباع : ربع المغنم يأخذه الرئيس . والصفايا : جمع صفي . وهو ما يصطفيه الرئيس لنفسه من المغنم ، والنشيطة : ما يغنمه الغزاة في الطريق قبل بلوغهم إلى الموضع الذي قصدوه ، فكان يختص به الرئيس دون غيره . والفضول : ما يفضل من الغنيمة عند القسمة .
وكانت تتخذ الأرضين تحميها عن الناس أن لا يدخلوها ولا يرعوها ، فلما نزل القرآن بقسمة الغنيمة في قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية ، ارتفع حكم هذه البدعة إلا بعض من جرى في الإسلام على حكم الجاهلية ، فعمل بأحكام الشيطان ، ولم يستقم على [ ص: 530 ] العمل بأحكام الله تعالى .
وكذلك جاء في الحديث :
لا حمى إلا حمى الله ورسوله ثم جرى بعض الناس ممن آثر الدنيا على طاعة الله ، على سبيل حكم الجاهلية ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ولكن الآية والحديث وما كان في معناهما أثبت أصلا في الشريعة مطردا لا ينخرم ، وعاما لا يتخصص ، ومطلقا لا يتقيد . وهو أن الصغير من المكلفين والكبير ، والشريف والدنيء ، والرفيع والوضيع في أحكام الشريعة سواء ، فكل من خرج عن مقتضى هذا الأصل خرج من السنة إلى البدعة ، ومن الاستقامة إلى الاعوجاج .
وتحت هذا الرمز تفاصيل عظيمة الموقع ، لعلها تذكر فيما بعد إن شاء الله ، وقد أشير إلى جملة منها .


