الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
539 - قال أبو داود ، وحدثنا هناد بن السري ، عن قبيصة ، نا أبو رجاء ، عن أبي الصلت ، وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر  فكتب: " أما بعد أوصيك بتقوى الله ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنة رسوله ، وترك ما أحدث المحدثون بعدما جرت سنته وكفوا مؤنته ، فعليك بلزوم السنة  فإنها لك بإذن الله عصمة ، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا وقد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها ، فإن السنة إنما سنها من قد علم في خلافها من الخطإ ، والزلل ، والحمق ، والتعمق ، فارض لنفسك ما رضي القوم لأنفسهم ، فإنهم عن علم وقفوا ، وببصر نافذ كفوا ، لهم على كشف الأمور كانوا أقدر ، وبفضل ما فيه كانوا أولى ، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ، ولئن قلتم إن ما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم أو رغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون ، وقد تكلموا فيه بما يكفي ، ووصفوا ما يشفي ، فما دونهم من مقصر ، وما فوقهم من محسن ، قد قصر قوم دونهم فجفوا ، وطمح عنهم أقوام فغلوا ، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر ، فعلى الخبير بإذن الله وقعت ، ما أعلم أحدث الناس من محدثة ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثرا ، ولا أثبت أمرا من الإقرار بالقدر ، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء يتكلمون في كلامهم وفي شعرهم يعزون به أنفسهم على ما فاتهم ، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة ، لقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ، ولا حديثين ، قد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته يقينا وتسليما لربهم عز وجل ، وتضعيفا لأنفسهم أن يكون شيء لم يحط به علمه ، ولم يحصه كتابه بذلك ، ولم يمض فيه قدره ، وإنه لمع ذلك في محكم كتابه لمنه اقتبسوه ولمنه تعلموه ، ولئن قلتم لم أنزل الله عز وجل آية كذا ، ولم قال الله كذا ، لقد قرؤوا منه ما قرأتم ، وعلموا من تأويله ما جهلتم ، وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب وقدر ، وما يقدر يكن ، وما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا. ولم يقل ابن كثير: من قد علم " [ ص: 320 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية