185 - حدثنا قال: أخبرنا محمد، ثنا أبو عبيد إبراهيم بن [ ص: 245 ] إسماعيل، عن عن ليث، قال: عطاء، "إن ماتت فيها الشاة نزحوا منها أربعين دلوا فإن تفسخت نزحوها كلها أو مائة دلو" .
قال وإلى مثل هذه الأحاديث يذهب الكوفيون من أهل الرأي وإن كانوا يفارقون من سمينا في العدد بالزيادة والنقصان ، فإنه طريقهم الذي به يفتون من الأولى المسماة. وقد كان بعضهم يحتج بحديث علي الذي ذكرناه. أبو عبيد:
قال فإن الذي عندنا في حديث أبو عبيد: أنه ليس بحجة لمن قال بهذا القول: لأن علي: أمر في الفأرة بنزح الماء كله ، وهؤلاء إنما يأمرون بنزح دلا معدودة ، مع أن الحديث مرسل لا يعلم أن عليا سمع من أبا البختري ولا رآه وحديث علي عبد الله الذي ذكرناه أكثر في الإرسال وأبعد ، فإن كان صح عنهما ، فإنما هو على نجاسة الجميع لا على التبعيض فأما تسمية الدلاء المعلومة الذي يستقى منها كذا وكذا دلوا ، ويترك سائر الماء فإنا لم [ ص: 246 ] نسمع بهذا من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح ولا سقيم ، إنما تكلم به التابعون الذين روينا عنهم ومن بعدهم ، وإن كانوا أئمة في العلم ، ولقد رأيت في حجتهم ، فجلهم ذهبوا إلى أن النجاسة مختلفة ، فبعضها أكبر من بعض وأقل ، وقالوا: إنما يستقى من البئر بعدد مبلغها فيه ، ومثلت ذلك لهم: بالقطرة من الدم يقع في الماء ، فأنت ترى حمرتها تنفش فيه وتتفرق ، ثم لا تلبث أن تنمحي ، وينقطع أثرها لضعفها وقلتها ، فإن كانت قطرتين كان أكثر لتفرقهما وأقوى ثم كذلك ما زاد ، قالوا: فهكذا نجاسة البول ، والماء الذي يمات فيه وإن كان لا يرى كرؤية الدم فهو مثله. يقولون: فإذا نزح بقدر ما يرون أن النزح قد أتى على النجاسة كان ما وراء ذلك طاهرا ولم يكن بهم حاجة إلى استقائه ، هذا فيما نرى أحسن حجة للقوم.
وقال الآخرون الذين يفارقونهم أو من قاله عنهم: هذا أمر لا يحاط به ، ولا يوقف على حده ، لأن الماء إذا حرك بالاستقاء يدافع ، ولحق بعضه بعضا لرقته وسرعة امتزاجه ، فكيف يعرف طاهر هذا من نجسه ، فهو إما أن يطهر كله ، وإما أن ينجس كله ، وكلا الفريقين له مقال ومذهب ، غير أن هذا القول أعجب إلي أن يكون الماء لا ينجس بعضه دون بعض ، لأنه لا يوقف عليه ، ولا يحاط به ، وأصلنا فيه السنة التي ذكرناها قبل هذا في [ ص: 247 ] الحد الموقت في القلتين ، فما كان فوق ذلك فهو الطاهر كله إلا أن يصير مغلوبا ، وما كان دون القلتين فهو النجس كله إذا خالطه من الأنجاس شيء ، ولا نرى التبعيض في ذلك ، ولا نأخذ به ، فأما حديث ابن عباس في زمزم فإنه ينكر من عدة وجوه منها:
أنه إنما يحدثه عنه قتادة مرسلا ، وأدنى ما بينه وبين ابن عباس واحد.
ومنها: أن كان يخبر بتلك الفتيا عن عطاء وهو أعلم بأمر ابن الزبير ، مكة وما فيها من قتادة.
وأكبر من هذه الحجة أن المشهور من رأي التوسع في الماء. ابن عباس
ألست ترى أنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الماء لا ينجسه شيء" .
ثم كذلك كانت فتياه.
وقد روى عنه أنه قال: لا يخبث الماء. الشعبي
وروى عنه أبو عمر البهراني في الحمام يدخله الأجناب أن ذلك لا [ ص: 248 ] ينجسه.
ثم مع هذا كله أن أهل مكة ينكرون نزح زمزم ولا يعرفونه
قال وكذلك ينبغي أن يكون الأمر على ما قالوا: للآثار التي جاءت في نعتها ، أنها لا تنزح ولا تذم ، لسقي الحجيج الأعظم ، فكيف [ ص: 249 ] تنزح وهذه حالها؟ وقد كان بعض أهل الأثر يقولون: إن كان لنزحها أصل ، فإنما معناه: أن الماء قد كان تغير طعمه وريحه في موت الذي مات فيه. أبو عبيد: