الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
225 - أخبرنا أبو عبيد ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ومعاذ، عن ابن عون، قال: [ ص: 286 ] قلت للقاسم بن محمد: ينتهي أحدنا إلى الغدير ، وقد ولغ فيه الكلب ، ويشرب منه الحمار أنشرب منه ونتوضأ؟  فقال: "أينتظر أحدنا إذا انتهى إلى الغدير ، حتى يسأل عن أي كلب ولغ فيه ، وأي حمار شرب منه؟" .

قال أبو عبيد: وقد اختلف الناس في هذا الباب ، فكان مالك بن أنس ومن وافقه من أهل الحجاز ، لا يرون بسؤرها بأسا.

وأما سفيان وأهل العراق من أصحاب الرأي ، فإنهم يكرهون ذلك، ولكل واحد من الفريقين حجة: فمذهب الكارهين ، فيما أحسب ، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن أكل لحومها ، فرأوا أنها أنجاس لذلك. [ ص: 287 ]

ومع هذا أيضا: إنهم لما رأوه قد غلظ سؤر الكلب ، الذي ينتفع به للصيد والماشية ، حتى أوجب فيه سبعا ، كان سائر السباع بالنجاسة عندهم أحرى .

قال أبو عبيد: وأحسب حجة المترخصين فيه: تأويل القرآن: قوله عز وجل: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ، وابن عباس أنهما كانا يحتجان بها إذا سئلا عن لحومها.

وأحسبهم ، مع هذا ، لما علموا أن رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سؤر الهرة ،  واضعا الإناء لها ، كان سائر السباع عندهم في السعة مثلها.

فهذان وجهان متضادان ، وإن الذي عندنا في أسآر السباع ، أني لا أرى أن أجعلها قياسا على واحد من المذهبين ، لأنهما شيئان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفان في الكلب والهر ، فمن مال إلى إحديهما كان هاجرا للأخرى ، وليست واحدة منهم أحق بالاتباع من صاحبتها ، ولكن الذي أختار في أسآرهما ، لم يأتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها تحليل ولا تحريم ، أن يكون سبيلها سبيل ما يختلف فيه ، أن نجتنب التطهر بها ، على وجه الثقة: الأخذ بالحيطة ، ما وجد صاحبها منها بدا ، وعنها غنى ، فإن اضطر إليها ، ولم يجد غيرها ، كان طهوره به عنه جازيا ، وكانت الصلاة تامة ، لا أعلم في السباع وجها أدنى إلى القصد والسلامة منه ، وليس يدخل الكلب والهر في [ ص: 288 ] شيء منها ، لأن ذينك قد خصتهما السنة بشيء ، وفرقت بينهما ، فنحن عليها فيهما.

ويكون في الوجه الثالث الذي وصفناه من هذه السباع على ما اقتصصنا ، وتستوي عندنا في ذلك وحشيها وقنيها ، فالوحشية منها: الأسد والنمار والذئاب والثعالب ، والقنية: الفهود التي تتخذ للصيد ، وكذلك سائر الطير ، مثل الصقور والبزاة والعقبان.

التالي السابق


الخدمات العلمية